فقد اتضح مما ذكرناه أنّ الفقرة الثانية من الآية لا تنفي عن النبي إلاّ علم الغيب بشكله الذاتي بينما أثبتت الفقرة الثالثة منها للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علم الغيب عن طريق الوحي بشكله التبعي ، والفقرة الرابعة من الآية توضح ما وصلنا إليه أيضاً حيث تقول : ( وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) ومعناها : أنّ ما ترتقبونه منّي من علم غيب ذاتي ليس إلاّ عبثاً ، إنّما أنا نبي نذير اُخبركم عمّا أطلع عليه عن طريق الوحي فقط ، ولا أعرف شيئاً دون تعليم الله تعالى.
أمّا الآية الثانية أعني قوله سبحانه : ( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) ( الأنعام ـ ٥٠ ) فبالنظر إلى ما ذكرناه من التصورات الخاطئة التي حملها المشركون في أذهانهم عن الأنبياء ، يتضح مفهوم هذه الآية أيضاً ، إذ أنّهم ترقبوا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعلم الغيب من عند نفسه ودون سابق ارتباط بالله ، ولكن الآية ترد عليهم هذا الارتقاب غير الصحيح بقولها : ( وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) أي لا أعلم الغيب إلاّ من الله ، والفقرة الأخيرة من الآية تدل على ذلك : ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) أي انّي عن طريق الوحي أطلع على الغيب.
أمّا الآية الثالثة أعني قوله سبحانه : ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ) ( هود ـ ٣١ ).
فغنية عن التوضيح إذ أنّها لا تختلف عن الآية الثانية لفظاً ومفاداً.
أمّا الآية الرابعة أعني قوله سبحانه : ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( الأعراف ـ ١٨٨ ).
فيتضح مفهومها بملاحظة ما قدمناه حول الآية الاُولى حيث أنّها تبطل ما يحمله المشركون في أذهانهم اتّجاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من تصورات خاطئة من قبيل أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يجب أن يحظى بقدرة فائقة وسلطة عريضة في هذا الكون دون اتصال بالله تعالى ، فيجلب ـ استناداً لهذه القدرة الفائقة ـ كل خير إلى نفسه ويبعد كل شر مرتقب عنه ، ثم يخبر عن