تعالى ، حتى العلم المحدود الموجود عندهم الذي هو مظهر من مظاهر فيضه تعالى عليهم ، وعند ذاك ينفون عن أنفسهم العلم أمام المولى خضوعاً وتسليماً ويقولون : ( لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ويدل على ما ذكرناه من التفسير وجوه :
١. إنّ الآيات الورادة في موضوع شهادة النبي والشهداء الآخرين تصرح بأنّ الأنبياء سوف يدعون في الآخرة لأداء الشهادة قال سبحانه : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ) ( الزمر ـ ٦٩ ) وهل يمكن أن يشهد الأنبياء والشهداء الآخرون في المحكمة الإلهية العادلة دون علمهم بشيء من أحوال المشهود عليهم. إنّ آيات الشهادة في القرآن وخاصة قوله سبحانه : ( وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلاءِ شَهِيدًا ) ( النساء ـ ٤١ ) وقوله سبحانه : ( وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر ـ ٥١ ) تدفعنا إلى أنّ المراد من قوله سبحانه : ( لا عِلْمَ لَنَا ) عن لسان الأنبياء يوم القيامة هو ما قدمناه من التفسير.
٢. إنّ سلب العلم عن الأنبياء لأحوال اُممهم على وجه الاطلاق يتنافى مع ما يحكيه الله تعالى عن لسان نبيّه يوم القيامة وذلك عند تجمع الأنبياء وقيام المحكمة الالهية العادلة في قوله تعالى : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) ( الفرقان ـ ٣٠ ) وسياق الآيات الاُخر مثل قوله سبحانه : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ ) ( الفرقان ـ ٢٧ ) يوضح أنّ شكوى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على قومه تكون يوم القيامة.
٣. كيف يمكن نسبة عدم العلم إلى الأنبياء يوم القيامة بصورة كلية وهم الذين يعرفون المحسنين والمسيئين على الأعراف بسيماهم كما يقول القرآن : ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ) ( الأعراف ـ ٤٦ ). ثمّ إنّ نبياً ينزل عليه الوحي فيخبره عن غدر الوليد (١) وخيانته في قضية مشهورة ، أو تنزل عليه آيات قرآنية في كشف حقيقة أبي لهب ، أقول إنّ نبيّاً بهذه المنزلة هل يمكن أن يقول يوم القيامة : ( لا عِلْمَ لَنَا ) على سبيل الحقيقة ؟ دون قصد أهداف اُخرى من هذا الكلام وهو الخضوع أمام عظمة المولى جل شأنه.
__________________
(١) الحجرات ـ ٦ ولاحظ ما ورد حولها من الأخبار في التفاسير.