وممّا يدل على أنّ هذه الكتب لم تصدر عن حماسة جوفاء ، أنّه قد كان لها أثر بديع في أكثر هذه الأوساط ، إذ تجاوبت معها شعور كثير منهم ، فنبهتهم من رقدتهم ، وانهضتهم من كبوتهم ، فأصبحوا متفكّرين من ملبّ لدعوته ، وخاضع لرسالته ، ومؤمن بما أتاه ، إلى معظّم لرسله ، ومجيز لهم ، ومكبّر إيّاه بإرسال التحف الثمينة ، ودونك صورة مصغّرة ممّا أثارته تلكم الكتب في هذه البيئات ، وقد روى أصحاب السير والتاريخ أُموراً كثيرة يطول بنا المقام بذكرها :
قال قيصر لأخيه ـ حين أمره برمي الكتاب ـ : أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر ، وقال لأبي سفيان : إن كان ما تقول حقّاً فإنّه نبي ، ليبلغنّ ملكه ما تحتي قدمي.
وخرج ضغاطر أسقف الروم بعد قراءة الكتاب ، إلى الكنيسة وقال في حشد من الناس : يا معشر الروم أنّه قد جاءنا كتاب أحمد ، يدعونا إلى الله وأنّي أشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وأنّ أحمد رسول الله.
وقال المقوقس : إنّي قد نظرت في أمر هذا النبي ، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجده ساحراً ضالاّ ، ولا كاهناً كذّاباً.
وكتب فروة عامل قيصر بعمان إلى رسول الله كتاباً ، أظهر فيه إسلامه ، فلمّا اطّلع عليه قيصر أخذه واستتابه ، فأبى فأمر بقتله ، فقال حينما يقتل :
بلّغ سراة المسلمين بأنّني |
|
سلم لربّي أعظمي وبناني |
وكتب هوذة بن علي ملك اليمامة إلى رسول الله : ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله.
ولبّي المنذر بن ساوى ملك البحرين دعوة الرسول وأظهر إسلامه.
وأجابه ملوك حمير ، وأساقفة نجران ، ولبّاه عمّال كسرى باليمن ، واقيال