الدين والشريعة ولا يجب أن يعلما الغيب وما كان وما يكون لأنّ ذلك يؤدي إلى أنّهما مشاركان للقديم تعالى في جميع معلوماته التي لا تتناهى وإنّما يجب أن يكونا عالمين لأنفسهما (١) ، وقد ثبت أنّهما عالمان بعلم محدث ، والعلم لا يتعلّق على التفصيل إلاّ بمعلوم واحد. ولو علما ما لا يتناهى لوجب أن يعلما وجود ما لا يتناهى من المعلومات وذلك محال ، ويجوز أن يعلما الغائبات والكائنات الماضيات أو المستقبلات باعلام الله تعالى لهما شيئاً منها (٢).
فإنّ الظاهر من كلامه أنّ الشرك إنّما يلزم من أمرين : « الأوّل » القول بعدم تناهي علومهم ، « الثاني » كون علومهم مستندة إلى أنفسهما لا باعلام منه سبحانه والمنفي في كلامه هو العلم الذاتي غير المتناهي ، أما المتناهي المستند إلى الله عزّ وجلّ فهو ثابت لهم.
لو كان النبي عالماً بالغيب بعلم مستفاد ومفاض منه سبحانه لما مسّه السوء والشر مع أنّه كان يمسّه السوء بنص منه سبحانه حيث قال : ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) ( الأعراف ـ ١٨٨ ) فإنّ الانسان إذا وقف على أنّ في ركوب أمر خطراً على نفسه وماله ، أو أنّ في هذا الغذاء سمّاً لاجتنب عنهما وتركهما بتاتاً سواء أوقف عليها من جانب نفسه أم باطلاع غيره فمس السوء وفوت الخير ، دليلان على عدم اطلاعه على الغيب لا من جانب نفسه ولا من ناحية غيره مطلقاً.
الجواب من وجوه : الجواب الأوّل :
إنّ السؤال موجه إذا قلنا بسعة علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعامة الحوادث القادمة مع تفاصيلها وجزئياتها ، وأنّ علمه صلىاللهعليهوآلهوسلم بغابر الاُمور وقادمها غير محدود بشيء من التحديد ،
__________________
(١) كذا في النسخة والصحيح لا لأنفسهما كما هو واضح لمن أمعن النظر.
(٢) متشابهات القرآن ومختلفه ج ١ ص ٢١١.