به عندئذ اقتضاباً بلا جهة وعطفاً بلا مناسبة فلأي وجه أورده في هذه الآية في عداد الاُمور التي سلّمنا اختصاص علمها به سبحانه وليس هو منها ، فلأجل الالتزام بوجود المناسبة بين المتعاطفات لا مفر من القول باختصاص علمه به سبحانه أيضاً.
ربّما يتخيل بل يقال : كيف استأثر الله بعلم هذه الاُمور ، والنشرات الجوية ، لدائرة الأنواء الجوية تعيّن أوقات نزول الغيث والوفر والاختبارات الطبية تبين وضع الجنين وأنّه ذكر أو اُنثى ، ولكنّها مدفوعة بما يلي :
١. إنّ الله سبحانه واقف على وضع الجنين من بدء تكونه في رحم اُمّه ، حينما يكون خليّة فيها ، ليس لها من الصور المعتورة عليه شيء ، إلى أن تضعه اُمّه ، فهو سبحانه يعلم حين ما هو خليّة في رحمها ، أنّه ذكر أو اُنثى ، وليس ذلك مقدوراً للبشر وإن أطل بنظره عليها بأشعة قوية كهربائية أو باختبارات طبية ، فالعلم بذكورة الجنين أو اُنوثته ، من بدء وجوده إلى ختامه ، مخصوص به سبحانه ، ولا يشاركه في هذا الحد الوسيع أحد من البشر.
٢. إنّ تخصيص قوله سبحانه : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ) بأحد الوصفين المذكورين ( الذكورة والانوثة ) مخالف لاطلاق كلامه ، فإنّ الظاهر منه أنّه سبحانه يعلم جميع حالات ما في الأرحام ، وأنّه ذكر أو اُنثى ، قبيح أو جميل ، سخي أو بخيل ، شجاع أو جبان ، سعيد أو شقي ، مرافق النبيين في الجنان أو حطب لنار جهنّم إلى غير ذلك من الصفات والروحيات التي لا يتمكّن البشر من الوقوف عليها عندما كان صاحب الصفات جنيناً في رحم اُمّه ، وهذا التعميم وشمول الآية للصفات الظاهرية والباطنية صريح كلام الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في نهج البلاغة (١).
__________________
(١) راجع نهج البلاغة الخطبة ١٢٦.