الصحابة إلى يوم القيامة من العرب والعجم ؟ (١) فالآية دالة على عمومية الرسالة مضافاً إلى خاتميتها.
هذه جوانب تلقي ضوءاً على البحث ، وتهدف إلى أمر واحد : وهو أنّ رسالته ذات نزعة عالمية ، غير محدودة بحد ، فلا يحدها قطر ، ولا يقيّدها شيء آخر من ألوان التحديد والتقييد ، نعم مبدأ البرهان في كل واحد منها يختلف مع ما في الآخر ـ كما يظهر ذلك بالإمعان والتدبّر ـ (٢).
وهناك لون آخر من البحث يتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة الإسلام ، وبفكرته الكلية ، عن الكون والحياة والإنسان ، ونظرته الوسيعة الثاقبة في التقنين والتشريع وإن شئت فاجعله خامس الوجوه.
بيانه : أنّ الحقائق الراهنة التي جاء بها الصادع بالحق ، في مختلف الأبواب والفصول ، لا تستهدف سوى تبنّي الواقع ، ولا تأخذ غيره دعامة ، ولا تخضع لشرط من الشرائط الزمانية إلاّ لنفس الأمر.
وإن شئت فقل : إنّ الإسلام لا يعتمد في أحكامه وتشريعاته وما يرجع إلى الانسان في معاشه ومعاده ، إلاّ على مقتضى الفطرة التي فطر عليها كلّ بني الإنسان والسائدة في كافة أفراده ، في عامة أقطار الأرض جميعاً ، وإذا كان الحكم والتشريع موضوعاً على طبق الفطرة الانسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد ، فلا وجه
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٨٤.
(٢) هذه الوجوه الأربعة تختلف في طريق البرهنة على المطلب ، فقد استدل في الوجه الأوّل بتصريح القرآن على عموم رسالته ، واعتمد في الثانية على شمولية هتافات القرآن وعمومية خطاباته في الفروع والاُصول ، وفي ثالثها على أنّ القرآن كثيراً ما يتخذ العنوان العام لموضوع أحكامه ، وفي رابعها على نص القرآن بأنّ هدايته وانذاره لا يختص بشعب خاص.