وقضى على الرذائل والمنكرات ، والشهوات الجامحة ، والتقاليد البالية ، والخرافات الكاذبة ، والرهبانية المبتدعة ، وأمر بالفضائل والصدق في القول والوفاء بالعهد ، والاجتناب عن العزوبة بنكاح الحرائر إلى غير ذلك من الوف الأحكام والتشريعات التي أشرنا إلى كثير منها وتعتبر بمجموعها دعائم الاصلاح في العالم كله ، ولا تنازع الفطرة بل تطابقها ولا تتخلّف عنها قدر شعرة.
فإذا كانت الفطرة الإنسانية واحدة في الجميع ، وكانت الأحكام الإسلامية مبنية عليها في جانب التشريع ، فلا وجه لأن تختص بقوم دون قوم ، وهذا بحث لطيف سوف نرجع إليه إن شاء الله عند البحث عن كون نبي الإسلام خاتم النبيين ، ودينه خاتم الأديان وبه نجيب على الاشكال الدارج على ألسنة بعض المستهترين ممّن لا يؤمن بصريح القرآن في مسألة الخاتمية ويقول : « انّ النصوص الشرعية في الكتاب والسنّة محدودة ، وحوادث الناس ومقاصدهم متجددة ومتغيّرة ولا يمكن أن تفي النصوص المحدودة بالحوادث المتجددة الطارئة » فارتقب حتى يأتيك الجواب والبيان.
وأدل دليل على أنّ الإسلام رسالة عالمية ، أنّه يكافح النزعات الاقليمية والطائفية ولا يفرق بين اللون والجنس والعنصر ولا يفضّل أحداً إلاّ بالتقوى ، ويزيّف كل مقياس سواه ويقول : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات ـ ١٣ ).
كفى له فخراً أنّه أوّل من حارب العصبية والنعرات الطائفية ودعا إلى الاخوة الانسانية ، والزمالة البشرية ، والانضواء تحت لواء واحد وهو لواء التوحيد المطلق.
أجل حارب العصبية ، والنعرات الطائفية في ظل وحدات ثمان ، وهو أوّل من أسّسها وأشاد بنيانها ، أعني : وحدة الاُمّة ، وحدة الجنس البشري ، وحدة الدين ، وحدة التشريع ، وحدة الاخوة الروحية ، وحدة الجنسية الدولية ، وحدة القضاء ، بل وحدة اللغة