على أنّ تلك الاشعارات إنّما تتم إذا لم يكن هناك دليل صريح على خلافها وإلاّ فتكون النسبة بين تلك الاشعارات وما يدل على خلافها من قبيل نسبة الأصل إلى الدليل الاجتهادي الحاكم بالاشتغال.
فيرتفع الأصل بموضوعه عند وجود الدليل الاجتهادي.
يمكن استظهار الاختصاص من قوله سبحانه : ( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ ) ( نوح ـ ١ ) ، فهو يشعر باختصاص رسالته بقومه (١).
وأمّا صيرورة رسالته بعد الطوفان عالمية ، لانحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك الناس ، فإنّما هو لأمر عارض لا يضر بخصوصية رسالته.
أضف إلى ذلك أنّ قدر المسلم هو أنّ الطوفان لم يكن عالمياً بل خاصاً بمنطقة من الأرض التي كان يعيش فيها قومه ، ويؤيد ذلك أنّه لا وجه لتعذيب غيرهم واهلاكهم بتكذيب قومه خاصة.
فانّ الظاهر من القرآن هو أنّ التعذيب كان لتكذيب قومه ، قال سبحانه : ( وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) ( هود : ٣٦ ـ ٣٧ ) أضف إلى ذلك أنّ عمومية الرسالة تتطلب وجود امكانيات تمكن الرسول من إيصال نداء رسالته وصوت دعوته إلى جميع أنحاء العالم ، وذلك لم يكن متوفراً في عهد نوح ، كما سيوافيك بيانه مفصّلاً.
تحقيق وتنقيب :
انّ العلاّمة الطباطبائي ( رضوان الله عليه ) قد طرح مسألة عمومية نبوّة نوح
__________________
(١) لاحظ الآيات ٢٥ ـ ٤٨ من سورة هود ، ترى فيها اشعارات كثيرة باختصاص رسالته بقومه.