ولا ينزل واحد منهم على حكم الآخر ولا لنبي من قوم آخر ، فالطريق الأصلح لهذا هو بعث الأنبياء في داخل الاُمم كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ( النحل ـ ٣٦ ) (١).
أضف إلى ذلك أنّ الاُمم اليهودية يخصون نبوّة موسى بأنفسهم ولذا لا ترى منهم التبليغ والتبشير في مجتمعات العالم (٢).
ومع هذه الوجوه كيف يمكن القول بعمومية دعوته وعالميتها في عصره إلى أن يبعث الله نبياً مثله.
وترشدك إلى ما ذكرناه ، قصة موسى مع من آتاه الله الرحمة وعلّمه من لدنه علماً وقال سبحانه : ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ) ( الكهف ٦٥ ـ ٦٦ ) (٣).
ووصفه بما ورد في الآية من الأوصاف يدل على كونه ولياً من أوليائه بل نبياً مثله ـ ومع ذلك ـ كيف تكون نبوّة موسى عالمية مع عدم شمول نبوّتها لمصاحبه ولا لاُمّته إذا فرضنا للمصاحب اُمّة وليس من البعيد أن يكون ذلك المصاحب العائش في زمن موسى مثل لوط المعاصر لإبراهيم وكلّ مبعوث إلى اُمّة دون اُمّة ، وتعاصر النبيين يكشف عن ضيق نطاق نبوّتهم وعدم شمول احدى النبوّتين ، بما تشمله الاُخرى.
قال سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَٰذِهِ
__________________
(١) نعم ذابت هذه التعصّبات القومية في المجتمع الانساني إلى حد استعد مزاج الانسانية لبعث نبي عالمي وكمل استعدادهم لقبول النداء العالمي ولأجل ذلك لم يمض ربع قرن إلاّ وقد ضرب الإسلام بجرانه في شرق الأرض وغربها.
(٢) وإن كان قول اليهود وفعلهم ليسا بحجة فإنّهم خصّوا الله سبحانه بأنّه اله شعبهم فما ظنّك بهم في رسالة موسى عليهالسلام.
(٣) واحتمال أنّه كان من اُمّة موسى ولكن الله جعل عنده علماً خاصاً لم يؤته موسى فصار موسى مأموراً بالتعلّم منه ، رجم بالغيب وموجب لزيادة الفرع على الأصل واعلمية بعض الاُمّة من نبيّها مع أنّ سياق الآيات لا يناسب ذلك الاحتمال.