وإن قلت أجمع المال لأشيد به سلطانى ، فقد أراك الله تعالى عبرا ممن كان قبلك ، ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة ، وما أعدوا من السلاح والكراع ، وما ضرك ما كنت أنت فيه.
فو الله ما فوق ما أنت فيه منزلة تدرك إلا بالعمل الصالح ، واعلم أنك لا تعاقب أحدا من رعيتك إذا عصاك بأعظم من القتل ، والله تعالى يعاقب من عصاه بالعذاب الأليم ، وأنه يعلم خائنة الأعين ، وما تخفى الصدور ، فكيف يكون وقوفك غدا بين يديه؟ وقد نزع ملك الدنيا من يدك ، ودعاك إلى الحساب ، هل يغنى عنك ما كنت فيه شيئا؟
قال : فبكى المنصور بكاء شديدا ، حتى ارتفع صوته ، ثم قال : كيف احتيالى فيما خولت ، ولم أر من الناس إلا جانبا عنى ، قال : يا أمير المؤمنين عليك بالأعلام الراشدين ، قال : ومن هم؟ قال : العلماء العالمون. قال : فإنهم قد فروا منى ، قال : نعم ، فروا منك مخافة أن تحملهم على ما ظهر لهم من طريقك ، فإذا فتحت الأبواب ، وأسهلت الحجاب ، ونصرت المظلوم ومنعت المظالم ، وظهرت بالعدل ، ونشرت الفضل ؛ فأنا ضامن لمن هرب منك أن يعود إليك.
وجاء حينئذ المؤذن ، وسلموا عليه ، أذنوا للفجر ، وأقاموا ؛ فقام المنصور إلى الصلاة ، فصلى بالناس ، وإذا بالرجل قد غاب من بين أيديهم ، فلما فرغ من الصلاة ، سأل عنه ، فقالوا : ذهب ، فقال : إن لم تأتونى به عاقبتكم عقابا شديدا ، فذهبوا يلتمسوه ، فوجدوه فى الطواف ، فتقدم إليه الحرس ، فقال : انطلق معى ، وإلا هلكت ، وهلك من معى ، فقال : كلا لست بذاهب معك ، فقال : إنه يقتلنى إن لم آته بك ، فقال : كلا إنه لا يقدر على ذلك ، وأخرج من جيبه ورقة ، وقال : ضعها فى جيبك ، فلا يصيبك منه شىء ، فإنه دعاء الفرج ، قال : وما دعاء الفرج؟ قال : لا يرزقه الله إلا للسعداء ، من دعا به صباحا ومساء هدمت ذنوبه واستجيب دعاؤه ، وبسط الله تعالى رزقه ، وأعطاه أمله ، وأعانه على عدوه ، وكتب عند الله صديقا ، فقال : اقرأه لى عندوا تلفته منك ، قال : قل : اللهم كما لطفت