جعفر المنصور مكة ، وكان يخرج من وسط دار الندوة إلى الطواف آخر الليل ، وساق الحكاية بطولها.
قال النجم عمر بن فهد (رحمهالله تعالى) : وفى سنة ٥٨ ه ، عزم على الحج أبو جعفر المنصور ، وكان يريد قتل سفيان الثورى رضياللهعنه فلما وصل إلى بئر ميمون ، بعث إلى الخشابين ، فقال لهم : إن رأيتم سفيان الثورى ، فأصلبوه ، فجاءوا ونصبوا له الخشب ، وكان جالسا بفناء الكعبة ، ورأسه فى حجر فضيل بن عياض ورجلاه فى حجر سفيان بن عيينة ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، قم واختف ، ولا تشمت بنا الأعداء ، فقام إلى أستار الكعبة ، وأخذها ثم قال : برئت منه إن دخلها أبو جعفر ، وعاد إلى مكانه فركب أبو جعفر من بئر ميمون ، فلما كان بين الحجون سقط عن فرسه ؛ فاندقت عنقه ، فمات لوقته.
فمن سابع ذى الحجة ، وقت السحر ، فحروا له مائة قبر ، ودفنوه فى واحد منها ، ليعمى قبره عن الناس ، وبرأ الله منهم ، قسم عبده سفيان ، فانظر إلى عباد الله المخلصين ، وإدلالهم على جناب قدس رب العالمين ، وكيف حال أهل الدنيا المغرورين؟ وكيف تضمحل عظمتهم فى عظمة سلطان السلاطين؟ وما أحقر سلطنة البشر المخلوق من ماء مهين ، وما أسرع زوال ملكه ، وصيروره عبرة للمعتبرين ، إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار ، وعظمة لمن أراد أن يتذكر عواقب هذه الاغترار ، ويعلم أن الملك لله الواحد القهار ، ولا شريك له فى الملك ، ولا ولى له من الذل علتى الدوام والاستمرار.
والمنصور هو الذى بنى مدينة بغداد ، ومولده فى سنة ٣٥ ه ، ومدة ملكه اثنين وعشرين سنة ، وثلاثة أشهر ، وعاش أربع وستين سنة ، وكان رأى مناما يدل على قرب أجله ؛ فعهد إلى ولده محمد ، وصار إلى الحج ، وتوفى كما ذكر.
وولى بعده الملك والخلافة أبو عبد الله ، ولقبه المهدى ، ثالث من ولى