الخلافة ، فاشتد ذلك على بنى العباس وخرجوا عليه ، وبايعوا إبراهيم بن المهدى ، ولقبوه المبارك فسار المأمون عليه ؛ فهرب منه ، واختفى ثمان سنين ، ثم جاء إلى المأمون فى صفر سنة ٢١٠ ه ، وتوفى على بن موسى الرّضا فى سنة ٢٣٠ ، وأسف عليه المأمون ، وأراد إقامة غيره.
وذكر الصولى : أن بعض أصحابه ، قال له : إنك فى بركة بأولاد على بن أبى طالب رضياللهعنه ، والأمر على برهم ، والأمر فيهم وكلمه العباسيون فى إعادة لبس السّواد ؛ فأبى ، فكرروا عليه ذلك ، إلى أن أجابهم إلى ذلك ، وأعاد شعار السواد ، وكان كثير الجهاد ، وهو الذى فتح قرة حصار ، وكان كثير العبادة ، فقيل : إنه ختم فى شهر رمضان ثلاثة وستين ختمة ، وكان العلماء محجوبين فى أيامه ، يجبرهم على القول بخلق القرآن ؛ فدعوا عليه ، فأهلكه الله تعالى ، ويقال : أن سبب موته ، أنه اشترى كل سمكة تسمى الرعادة إن لمسها أحد ، أخذته النفاضة من ساعته لشدة بردها ؛ فأكل منها فمات لوقته.
وما أمن المأمون من إطهار ويب المنون ، ونقل من الملك جسمه إلى الهلك المصون ، وأولاه التراب عن الأحباب ، وسالت عليه العيون ، ورجع إلى ربه الكريم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون (١).
وكانت وفاته لاثنى عشر ليلة ، بقيت من رجب سنة ٢١٨ ، بأرض الروم ، ودفن بطرسوس ، وفيه قال أبو سعد المخزومى :
خلفوه بعريصتى طرسوس |
|
مثلما خلفوا أباه بطوس |
هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون |
|
أو عن ملكه المأسوس |
* * *
فصل
لما مات المأمون ، ولى بعده الخلافة ، أبو إسحاق محمد المعتصم بن
__________________
(١) المقصود الآية رقم ١٥٦ من سورة البقرة ، مدنية.