قال الصولى : سمعت المكتفى يقول فى علته التى مات فيه : «والله ما آسى إلا سبعمائة ألف دينار صرفتها من بيت مال المسلمين فى أنية وعمارة المحتاج».
وذكر أبو منصور الثعالبى قال : حكى إبراهيم بن نوح أن الذى خلفه المكتفى مما جمعه هو وأبوه لا غير مائة ألف دينار وأمتعة وأوانى وغفارات ، وكان من جملة الأمتعة ثلاثة وسبعون ألف ثوب ديباج ، فسبحان من بيده خزائن السموات والأرض وإليه ترجعون.
ولما جاء الأجل المحتوم المقدور وتلا لسان حاله : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ)(١) ، انقصف غصن شبابه القشيب ويبس عود جماله الرطيب ، وصار يدر كماله مخسوفا وعاد نور محياه المشرق مكسفا ، فانتقل من دار الفناء إلى دار الخير والبقاء فى ليلة الأحد لثنتى عشر خلت من شهر ذى القعدة الحرام سنة ٢٩٥ ه رحمهالله تعالى.
وخلف ثمانية أولاد ذكور وثمان بنات ، وولى بعده استخلافه أخوه أبو محمد على المقتدر بالله (٢) بن المعتضد بن الموفق بالله بن المتوكل على الله بن المعتضد بن هارون الرشيد العباسى بايعه الناس وعمره ثلاثة عشر سنة ولم يلى الخلافة قبله أصغر منه ، ذكره الجلال السيوطى ، وأمه أم ولد تسمى «معتب» وولى الخلافة ثلاث مرات هذه الأولى منها ، ولم يتم له فيها أمر لصغر سنه ، فتغلب الجند عليه واتفقوا على خلعه فخلعوه وعقدوا البيعة لأبى العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد ولقبوه «الغالب بالله» ، وبايعوه لعشر بقين من ربيع الأول سنة ٢٩٦ ه ، واستمر خليفة ساعة من ذلك النهار ، وعبد الله بن المعتز ـ لقصد زمن خلافته ـ لا ينبغى عده من الخلفاد ، ولكن تذكره لفضله وأدبه وهو أشعر بنى هاشم على الإطلاق وأكثرهم أدبا وفضلا ودخولا ومعرفة بعلم الموسبقا ، وأشهر الشعراء على الإطلاق فى التشبيهات المبتكرة المخترعة المرفضة المطربة التى لا شق غباره فيها أحد. مولده فى شعبان سنة ٢٤٩ ه.
__________________
(١) الآية رقم ٤ من سورة نوح ، مكية.
(٢) المقتدر بالله : سبقت الإشارة إليه.