وصار يحسن للمستعصم توفير الخزانة وعدم الصرف على العسكر والإذن لهم فى التفرق والذهاب أين شاءوا ويقطع أرزاقهم ويشتت شملهم ، بحيث أذن مرة لعشرين ألف مقاتل أن يذهبوا أين أرادوا ووفر علوفاتهم فى الخزينة وأظهر للمستعصم أنه وفر من علوفاتهم خزائن أموالهم عظيمة فى بيت المال ، فأعجب المعتصم رأيه وتوفيره ، وكان يحب المال ويجمعه لعدوه.
وقد سئلت بنو أمية بعد ذهاب ملكهم : ما الذى كان سببا قويا فى ذهاب الملك عنكم؟ قالوا : أقواها أنا اعتمدنا على المال واستوهنا بالرجال ، فوفرنا المال وقتلنا الرجال ، فأخذنا العدو ومالنا وتقوى به علينا ، وأنا أبعدنا الصديق اعتمادا على صداقته وقربنا العدو استجلابا لمحبته وصار الصديق عدوا بالإبعاد ، ولم يبصر العدو صديقا بالاستجلاب.
احذر عدوك مرة |
|
واحذر صديقك ألف مرة |
فلربما انقلب الصديق |
|
فكان أدرى بالمضرة |
وكان من قضاء الله وقدره أن هولاكو سلطان المغول وجفناى من دست قبحاوان جفوا على بلاد الإسلام وجاءوا بعسكر جرار ـ لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ـ.
وكان أقوى سلاطين الإسلام ـ إذ ذاك ـ السلطان على الدين خوارزمشاه ، وكان يملك من العراق إلى أقصى بلاد المشرق ، وكان له قوة وشوكة وعسكر وافر وجند متكاثر ، فظهر هولاكو فقاتله خوارزمشاه وهو ينكسر إلى أن قتل هو وأولاده وجنوده ، واستباح كثيرا من بلاد الإسلام وقتل شرقها بالقتل العام وصار يحول هولاكو فى الديار وتارة فى غاية الاشتغال والاستعار.
والمستعصم ـ ومن معه ـ فى غفلة عنه لإخفاء ابن العلقمى عنه سائر الأخبار إلى أن وصل هولاكو إلى بلاد العراق واستأصل من بها قتلا وأسرا.
وأرسل إلى الخليفة يطلبه إليه فاستيقظ الخليفة من نومه الغرور وندم على غفلته حيث لا ينفعه الندم ، وجمع من قدر عليه وبرز إلى قتاله ، وجمع من أهل بغداد وخاصة عبيده وخدامه ما يقارب أربعين ألف مقاتل لكن مرفهون