ومن جملة ما افتتحه : بلاد «سمدوة» ، وقلعة «مورة» وغيرهما ، وقاتل «قزال أنكروس» وهزمه ، وأسر منهم خلقا كثيرا ، واستمر يجاهد الكفار ، ويفتح الديار إلى أن أنشأ ولده السلطان محمد ، فرأى نجابته ، ولمح فى عزته سعادته ، وعرف إقباله ، وشهامته ، وأجلسه على سرير السلطنة ، واختار لنفسه التعاقد والفراغ فى مغيسا بحسن رضاه.
فولى السلطنة محمد بن مراد خان فى سنة ٨٥٦ ه ، وجلس على التخت وقد استكمل عشرين سنة ، وكانت مدة سلطنته إحدى وثلاثون سنة ، وكان من أعظم سلاطين آل عثمان وهو الملك النيّل العظيم الجليل ، أعظم الملوك جهادا ، فأقواهم فؤادا ، وأكثرهم توكلا على الله ، واعتمادا ، وهو الذى أسس ملك بنى عثمان ، وقنن لهم قوانين صارت كالأطواق فى أجياد الزمان.
وله مناقب جميلة ، ومزايا فاضلة جليلة ، وآثار باقية فى صفحات الليالى والأيام ، ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام ، وغزوات كسرتها أصلاب الصلبان والأصنام.
ومن أعظمها : أنه فتح «القسنطينية» الكبرى ، وساق إليها السنن تجرى ، وجاء برا وبحرا ، وهجم عليها بجنوده وأبطاله ، وأقدم عليها بجنوده ورجاله وحاصرها خمسين يوما أشد الحصار ، وضيق على من فيها من الكفار والفجار ، وسل على أهلها سيف الله المسلول ، وتدرع بدرع الله الحصين المسيول ، ودق باب النصر والتأييد ، ولج الله تعالى بالفرج ، «ومن قرع بابا ولج ونج».
وصبر على مر الصبر إلى أن أتاه الله تعالى بالفرج ، ونزلت عليه ملائكة القريب القريب بالنصر العزيز من عند الله تعالى والفتح القريب ، ففتح أسطنبول فى اليوم الحادى والخمسين من أيام محاصرته ، وهو يوم الأربعة العشرون من جمادى الآخرة سنة ٨٥٧ ه ، وصلى فى أكبر كنائس النصارى صلاة الجمعة ، وهى «إياصوفيا» ، وهى قبة تسامى قبة السماء وتحاكى فى الاستحكام قبة الأحرام ، ولا وهنت كبرا ولا هر هرسا ، كأن أبراجها أبراج