أفلاك ، ومسامير أبوابها كنجوم السّماك مزق منها جلابيب الهلبان والأصنام ، وخلع عليها حلل مساجد الإسلام وأبدلها الله تعالى عن الظلمات نورا ، وكساها بنور الإسلام شرفا وعزا ، وحبورا ، لا زالت محلا للصلاة والعبادة والاعتكاف ، مقر الاستقرار قلوب العلماء ، والأصفياء ، والزهاد فيها ، والعراف مستقر السلاطين آل عثمان أهل المعدلة والإنصاف أبد الأبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين.
وقد أسس المرحوم المقدس فى اسطنبول للعلم أساسا راسخا لا يخشى على شمسه الأفول ، وبنى بها مدارس كالجنان لها ثمانية أبواب سهلة الدخول وفتن القوانين تطابق العقول والنقول ، ورغب فى طلب العلم الشريف ، ويكسى الطالبين حلل القبول بعد الخمول ، فجزاه الله خيرا عن الطلاب ، ومنحه بها أجرا وأكثر ثواب ، فإنه جعل لهم أيام الطلب مما يسدّ به فاقتهم ويكون به من خمار الفقراء فاقتهم ، وجعل لهم بعد ذلك مراتب يرتقون إليها ويصعدون بالتمكين والاعتبار عليها إلى أن يصلوا إلى سعادة الدنيا ، ويتوصلون بها أيضا إلى سعادة العقبى.
وإنه رحمهالله استجلب العلماء الكبار من أقاصى الديار ، وأنعم عليهم ، وعطف بإحسانه العام عليهم ، كمولانا على القوسمى ، والفاضل الطوسى ، والعالم الكورانى ، وغيرهم من علماء الإسلام ، وفضلاء الأنام ، فصارت اسطنبول بهم «أم الدنيا» ومعدن الفخار والعليا ، واجتمع فيهاي أهل الكمال من كل فضل.
فعلماؤها إلى الآن أعظم علماء الإسلام ، وأهل حرفها أدق الفطناء فى الأنام ، وأرباب دولاتها أهل السعادة العظام.
وللمرحوم المقدس قلادة منن لا تحصى فى أعناق المسلمين ، لا سيما العلماء الأكرمين قلدها فى أجيادهم فهى باقية إلى يوم الدين ، ولو ذكرت مناقبه ، وعددت لسخنت بها مجلد (أسكنه الله تعالى فسيح الجنان ، دائرا على قبره سحائب الرحمة والبركات) ، وقد كانت وفاته فى سنة ٨٨٧.