وكم أريق بسبب هذه الفتنة من دم لا ذنب لصاحبه ، وكم قتلت بالتوهم نفس مظلومة لا جرم لهم فى هذه البلاد ونوائبه. شعر :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى |
|
حتى يراق على جوانبه الدم |
واستمر رستم باشا خائفا يترقب إلى أن أمرضه الوهم وأنحله ، فصار فى فراشه يترقب إلى أن وافاه أجله المعتوم ، فمات وأقدم على الله الحى القيوم ، والله أعلم بما تخفى الصدور ، وهو الرؤوف الرحيم ، وكانت وفاته فى سنة ٩٦٨ ه ، ودفن فى تربة قرب تربة الشاه زاده السلطان محمد ـ رحمة الله عليه ورضوانه ـ.
وولى الوزارة العظمى على باشا ، وكان من جنس اليوسنية ، وكان جسيما طويلا وظنا فطنا منهيما نبيلا على خلاف ما ترى من عظم هيكله وسمن بدنه ، فإنها مظنة البلادة فى الأكثر ؛ فإذا أخطأ فيه مقتفاه زادت الفطانة غاية كما تنقل هذه الهيئة عن الإمام محمد صاحب أبى حنيفة ـ رحمهالله تعالى ـ فإنه كان فى غاية الفطنة والذكاء يضرب به المثل فى ذلك ، فكان على باشا له فضله فى الإنشاء ونظر فى التاريخ ، اجتمعت به فى رحلتى إلى أسطنبول فى سنة ٩٦٠ ه ، فو الله لطيف المجاورة حسن المفاكهة لذيذ المصاحبة ، ذكر لى بعض غزواته الدالة على قوة شجاعته ، وأنه باشر قتال الكفار بنفسه وأنه افتتح قلعة عظيمة لهم ، اقتلعها منهم ، فقلت له :
إن لم تقيد ما ذكرتموه بالتدوين يذهب من الخواطر ، ولا يعلم تفصيله بعد مضى سنوات قليلة ؛ فإذا أفنى من كان حاضرا فى هذا الغزا فنى خبره أيضا ، ولم يذكره أحد بعد ذلكي مطلقا ، وينمحى علمه من صفحات الوجود بعد قليل ، وذكرت له اعتناء علماء العرب بعلم التاريخ ، وإن من جملة كتب التاريخ اللطيفة (الروضتين فى أخبار الدولتين) لابن أبى شامه ، ذكر فيها دولة السلطان نور الدين الشهيد والسلطان صلاح الدين بن أيوب وغزواتهما مع إفرنج ، وافتتاح البلاد ، ومداومتهما على الجهاد ، وهو كتاب فى غاية اللطف وحسن الوضع ، باق على صفحات الزمان ، معلوم عند القاضى