أهلها رعب عساكر الإسلام وخذلهم الله تعالى ؛ فما عصمهم ذلك الحصن المنيع ، ما وجدوا الاعتصام ، فأخذوا أخذا وبيلا ، وأسروا وقتلوا تقتيلا ، ونهبت الأموال ، وسبيت النساء والأولاد والأطفال ، وأخذوا ما حولها من البلاد ، والقلاع ، والبقاع ، وافتتح ما يقربها من الحصون والقلاع.
وكذلك فتحت قلعة استولين بلغراد ، وهى قلعة سامية العماد ، راسخة الأوتاد ، لم يخلق مثلها فى البلاد كأنه من بناء شداد ، أخذت وضبطت وعين لها ولغيرها من القلاع ، الحفاظ النبلاء الأيقاظ ، ونصب لكل منها دارا وحصاريا ، وقاضيا يجرى الأحكام الشرعية ، وسنجقا للاستحفاظ.
وصارت من مضافات الممالك المحروسة السلطانية ، وصارت الكنائس مساجد للصلاة والعبادات والبيع ، ومشهد الخيرات والطاعات ، وعاد الركب الشريف السلطانى إلى سرير ملكه ، وتخته الخاقان ، مظفرا منصورا ، غانما سالما ، مسرورا ، والله يؤيد بنصره من يشاء.
الغزوة الحادية عشر : سفر الفاس.
وهى تحتمل تفصيلا طويلا لا تحتمله هذه العجالة ؛ فنعدل عن الإيهاب والإطالة ، ومجملها ، أن الفاس أخو الشاه لأبيه ، وكان واليا على شروان ؛ فوقعت بينهما مشاحنة فى الباطن ، أدت إلى أن توجه الفاس إلى الأبواب الشريفة السلطانية ، وقبل اليد الكريمة الخاقانية السليمان ، فحصل له من الحضرة السليمانية إقبال عظيم ، ومرتبة عليّة ، وأنعم عليه بإنعامات الجلية السنية ، ووعده بأن ينصره على أخيه ، ويدانيه ويعلى كلمته ، ويوانيه.
وأمر الوزير العظام وأركان دولة الإسلام ، أن يقدموا إليه الهدايا الجزيلة ، والتحف الوافرة الجميلة ، ففعلوا ذلك ، وجابروه وأزروه ، وعظموه وناصروه وكان ذلك فى سنة ٩٥٤ ه ، واستمر ملتجئا إلى الظل الشريف الوريف الممدود على القوى والضعيف ، وصار يصاحبه ويلاطفه ويقويه ويستدنيه ، ويؤالفه ، إلى أن صمم العزم ، وشد بطاق الضرامة والحزم ، وبرز بعسكره المظفر ، ونصب وطاقه فى أسكودو لثمان ليال مضين من شهر صفر الخير سنة ٩٥٥ ه ، ومعه الفاس ميزر مكرما تكريما ومعززا تعزيزا.