المقدّمة
لم ينل كاتب في العربيّة ما ناله ابن خلدون من مكانة وشهرة ، ولم يحظ عالم في التاريخ والاجتماع بما حظي به هذا العلامة من قراءة وبحث وجدال حول أعماله ، لا سيّما مقدمته التي تجمع حركة الفكر العربيّ على اعتبارها فتحا فكريا وأساسا متقدما لعلم الاجتماع.
لكن هذا الكتاب لابن خلدون ، وهو عمل قائم في ذاته ، بالشكل الذي أراده له واضعه ، ظلّ طوال الوقت ملحقا بكتاب «العبر» ، ومتواريا في ظلّه المديد ، ولم تتبلور صورته كتابا مستقلا إلا بجهود العالم المغربي محمد ابن تاويت الطنجي المتوفى سنة ١٩٦٣ ، والذي صرف نحوا من عشر سنوات في تحقيقه ومقابلة مخطوطاته العديدة مع المصادر والمظانّ المعاصرة له والسابقة عليه ، بما في ذلك تعليق هوامشه التي يمكن أن نعدّها ، من دون مبالغة ، السّراج الذي أنار جوانب العمل ، وكشف غوامضه ، وربطه بالمحيط الثقافيّ لعصره وبالأصول المعرفية التي خرج منها ابن خلدون بفكره البصير.
ذكره المستشرق كارل بروكلمان في كتابه «تاريخ الأدب العربي» بصفته ترجمة ذاتية» Autobiographie «وجزءا من كتاب «العبر». واختلط عليه الأمر ، عندما ذكر الكتاب في مكان آخر معتبرا أنه لمؤلّف مجهول.
ولئن كان جزء من الكتاب بمثابة ترجمة شخصيّة ، فإن الجزء الأكبر منه