بن زمرك ، (١) ذاهبا إلى فاس في غرض التهنئة ، وأجاز إلى سبتة في أسطوله ، وأوصيته بإجازة أهلي وولدي إلى غرناطة ، فلمّا وصل إلى فاس ، وتحدّث مع أهل الدّولة في إجازتهم ، تنكّروا لذلك ، وساءهم استقراري بالأندلس ، واتّهموا أنّي ربّما أحمل السّلطان ابن الأحمر على الميل إلى الأمير عبد الرحمن ، الذي اتّهموني بملابسته ، ومنعوا أهلي من اللّحاق بي ، وخاطبوا السّلطان ابن الأحمر في أن يرجعني إليهم ، فأبى من ذلك ، فطلبوا منه أن يجيزني إلى عدوة تلمسان ، وكان مسعود بن ماساي قد أذنوا له في اللّحاق بالأندلس ، فحملوه على مشافهة السّلطان بذلك ، وأبدوا له أنّي كنت ساعيا في خلاص ابن الخطيب ، وكانوا قد اعتقلوه لأوّل استيلائهم على البلد الجديد وظفرهم به ، وبعث إليّ ابن الخطيب من محبسه مستصرخا بي ، ومتوسّلا. فخاطبت في شأنه أهل الدّولة ، وعوّلت فيه منهم على ونزمار ، وابن ماساي ، فلم تنجح تلك السّعاية ، وقتل ابن الخطيب بمحبسه ، فلمّا قدم ابن ماساي على السّلطان ابن الأحمر ـ وقد أغروه بي ـ فألقى إلى السّلطان ما كان منّي في شأن ابن الخطيب ، فاستوحش لذلك ، وأسعفهم بإجازتي إلى العدوة ، ونزلت بهنين ، والجوّ بيني وبين السّلطان أبي حمّو مظلم ، بما كان مني في إجلاب العرب عليه بالزّاب كما مرّ. فأوعز بمقامي بهنين ، ثم وفد عليه محمّد بن عريف فعذله في شأني فبعث عنّي إلى تلمسان ، واستقررت بها بالعبّاد ، ولحق بي أهلي وولدي من فاس ، وأقاموا معي ، وذلك في عيد الفطر سنة ستّ وسبعين ، وأخذت في بثّ العلم ، وعرض للسّلطان أبي حمّو أثناء ذلك رأي في الدّواودة ، وحاجة إلى استئلافهم ، فاستدعاني ، وكلّفني السّفارة إليهم في هذا الغرض ، فاستوحشت منه ،
__________________
(١) أبو عبد الله محمد بن يوسف الصريحي المعروف بابن زمرك. له ترجمة حافلة في أزهار الرياض ٣ / ٧ ـ ٢٠٦ ، وفي الإحاطة ٢ / ٢٢١ ـ ٢٤٠ ، ونفح الطيب ٤ / ٦٧٩ ـ ٧٥٥ طبع بولاق. وانظر ص ٧٦.
وزمرك بفتح الزاي والراء ، بينهما ميم ساكنة ؛ وقد اضطرب ضبط ابن خلدون له ؛ فضبطه هنا بفتح الزاي والميم ، وسكون الراء ، وفي مكان آخر بفتح الزاي والراء وسكون الميم بينهما. والضبط الذي رجحته يستند إلى سجعة ؛ فقد ألف أحد أمراء بني الأحمر كتابا سماه : «البقيّة والمدرك ، من كلام ابن زمرك».