السّلطان ، (١) فأقمت بها أربعة أعوام ، متخلّيا عن الشواغل كلّها ، وشرعت في تأليف هذا الكتاب ، وأنا مقيم بها ، وأكملت المقدّمة منه على ذلك النحو الغريب ، الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة ، فسالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر ، حتى امتخضت زبدتها ، وتألّفت نتائجها ، وكانت من بعد ذلك الفيئة إلى تونس كما نذكره.
الفيئة إلى السّلطان أبي العباس بتونس والمقام بها
ولما نزلت بقلعة ابن سلامة بين أحياء أولاد عريف ، وسكنت منها بقصر أبي بكر بن عريف الذي اختطّه بها ، وكان من أحفل المساكن وأوثقها. ثم طال مقامي هنالك ، وأنا مستوحش من دولة المغرب وتلمسان ، وعاكف على تأليف هذا الكتاب ، وقد فرغت من مقدّمته لى أخبار العرب والبربر وزناتة ، وتشوّفت إلى مطالعة الكتب والدواوين التي لا توجد إلا بالأمصار ، بعد أن أمليت الكثير من حفظي ، وأردت التّنقيح والتّصحيح ، ثم طرقني مرض أوفى بي على الثّنيّة ، لولا ما تدارك من لطف الله ، فحدث عندي ميل إلى مراجعة السّلطان أبي العبّاس ، والرحلة إلى تونس ، حيث قرار آبائي ومساكنهم ، وآثارهم ، وقبورهم ، فبادرت إلى خطاب السّلطان بالفيئة إلى طاعته والمراجعة ، وانتظرت ، فما كان غير بعيد ، وإذا بخطابه وعهوده بالأمان ، والاستحثاث للقدوم ، فكان الخفوف للرحلة ، فظعنت عن أولاد عريف مع عرب الأخضر من بادية رياح ، كانوا هنالك ينتجعون الميرة بمنداس. وارتحلنا في رجب سنة ثمانين ، وسلكنا القفر إلى الدّوسن من أطراف الزّاب. ثم صعدت إلى التّل مع حاشية يعقوب بن علي وجدتهم بفرفار ، (٢) الضيعة التي اختطّها بالزّاب ،
__________________
(١) في العبر ٦ / ٤٦ : «وأقطع السّلطان أبو عنان ، ونزمار بن عريف «السرسو» Pl.du Sersou) ، وقلعة ابن سلامة ، وكثيرا من بلاد توجين».
(٢) فرفار (Farfar) : واحة صغيرة تقع على بعد ٣٣ كيلومترا من مدينة بسكرة ، في الجنوب الغربي لها.