إلى أن قفل السّلطان ظافرا منصورا ، فصحبته إلى تونس.
ولمّا كان شهر شعبان من سنة أربع وثمانين ، أجمع السّلطان الحركة إلى الزّاب ، بما كان صاحبه ابن مزنى قد آوى ابن يملول إليه ، ومهّد له في جواره ، فخشيت أن يعود في شأني ما كان في السفرة قبلها. وكانت بالمرسى سفينة لتجار الإسكندرية قد شحنها التّجار بأمتعهم وعروضهم ، وهي مقلعة إلى الإسكندرية ، فتطارحت على السّلطان ، وتوسلت إليه في تخلية سبيلي لقضاء فرضي ، فأذن لي في ذلك ، وخرجت إلى المرسى ، والناس متسايلون على أثري من أعيان الدولة والبلد وطلبة العلم. فودّعتهم ، وركبت البحر منتصف شعبان من السنة ، وقوّضت عنهم بحيث كانت الخيرة من الله سبحانه ، وتفرّغت لتجديد ما كان عندي من آثار العلم ، والله ولي الأمور سبحانه.
الرحلة إلى المشرق وولاية القضاء بمصر (١)
ولمّا رحلت من تونس منتصف شعبان من سنة أربع وثمانين ، أقمنا في البحر نحوا من أربعين ليلة ، ثم وافينا مرسى الإسكندرية يوم الفطر. ولعشر ليال من جلوس الملك الظاهر (٢) على التّخت ، واقتعاد كرسي الملك دون أهله بني قلاوون ، (٣) وكنّا على ترقب ذلك ، لما كان يؤثر بقاصية البلاد من سموّه لذلك ، وتمهيده له.
__________________
(١) من هنا إلى قوله : «... والحاضرون بذلك» «في نهاية الفقرة الرابعة القادمة» قد نقله المقري في نفح الطيب ٣ / ١٣٦ بولاق.
(٢) أبو سعيد برقوق بن أنص ، ويعرف ببرقوق العثماني نسبة إلى فخر الدين عثمان بن مسافر. تولى الملك في المرة الأولى سنة ٧٨٤ ؛ وثار عليه يلبغا الناصري ، ففر ثم ، سجن بالكرك ، ثم بالإسكندرية .... ثم عاد إلى ملكه في سنة ٧٩٢ ، واستبد بالملك حتى مات سنة ٨٠١. له ترجمة واسعة في المنهل الصافي ورقة ٣١٦ من نسخة دار الكتب ، خطط المقريزي بولاق ٢ / ٢٤١ وما بعدها ، العبر لابن خلدون ٥ / ٤٦٧ ـ ٤٧٢. وانظر السلوك ١١٠ أ(نسخة الفاتح).
(٣) انظر أخبار بني قلاوون في الخطط للمقريزي ٢ / ٢٣٦ ـ ٢٤٢ بولاق.