والصدر ، وعلى صراط الرجاء واليأس ، وعن قريب تداركني اللّطف الربّاني ، وشملتني نعمة السّلطان ـ أيّده الله ـ في النظر بعين الرحمة ، وتخلية سبيلي من هذه العهدة التي لم أطق حملها ، ولا عرفت ـ كما زعموا ـ مصطلحها ، فردّها إلى صاحبها الأول ، (١) وأنشطني من عقالها ، فانطلقت حميد الأثر ، مشيّعا من الكافة بالأسف والدّعاء وحميد الثناء ، تلحظني العيون بالرّحمة ، وتتناجى الآمال فيّ بالعودة ، ورتعت فيما كنت راتعا فيه قبل من مراعي نعمته وظلّ رضاه وعنايته ، قانعا بالعافية التي سألها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ربّه ، عاكفا على تدريس علم ، أو قراءة كتاب ، أو إعمال قلم في تدوين أو تأليف ، مؤمّلا من الله ، قطع صبابة العمر (٢) في العبادة ، ومحو عوائق السعادة بفضل الله ونعمته.
السفر لقضاء الحج
ثم مكثت بعد العزل ثلاث سنين ، واعتزمت على قضاء الفريضة ، فودّعت السّلطان والأمراء ، وزوّدوا وأعانوا فوق الكفاية ، وخرجت من القاهرة منتصف رمضان سنة تسع وثمانين ، إلى مرسى الطور (٣) بالجانب الشرقي من بحر السويس ، وركبت البحر من هنالك ، عاشر الفطر ، ووصلنا إلى الينبع (٤) لشهر ، فوافينا
__________________
(١) في «السلوك» سنة ٧٨٧ (١٢٤ ب نسخة الفاتح): «وفي سابع عشر جمادى الأول ، خلع على جمال الدين عبد الرحمن بن خير ، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية عوضا عن ولي الدين أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون .... وفي ٢٢ منه قرئ تقليد ابن خير بالمدرسة الناصرية على العادة.».
(٢) صبابة العمر : بقيته.
(٣) الطورTor) عرضها الشمالي ٢٨ ـ ١٠ ، وطولها الشرقي ٣٣ ـ ٣٩) : مدينة على الساحل الغربي لشبه جزيرة سيناء. وانظر ياقوت ٦ / ٦٧ ، ٦٩.
(٤) الينبع Yanbo) عرضها الشمالي ٢٤ ـ ٠٠ ، وطولها الشرقي ٣٨ ـ ١٥) : مدينة من مدن الجزيرة العربية ، تقع على الساحل الشرقي للبحر الأحمر ؛ وهي بفتح الياء المثناة التحتية ، وضم الباء الموحدة ، بينهما نون ساكنة. وانظر ياقوت ٨ / ٥٢٦.