بذكر القوم بما يناسبهم ، ويوفي حقّهم ووصفت المقام ، وكان نصّها :
الحمد لله الذي بدأ بالنعم قبل سؤالها ، ووفّق من هداه للشّكر على منالها ، وجعل جزاء المحسنين في محبّته ، ففازوا بعظيم نوالها ؛ وعلّم الإنسان الأسماء والبيان ، وما لم يعلم من أمثالها ، وميّزه بالعقل الذي فضّله على أصناف الموجودات وأجيالها ، وهداه لقبول أمانة التكليف ، وحمل أثقالها ؛ وخلق الجن والإنس للعبادة ، ففاز منهم بالسعادة من جدّ في امتثالها ، ويسّر كلا لما خلق له ، (١) من هداية نفسه أو إضلالها ، وفرغ ربّك من خلقها وخلقها وأرزاقها وآجالها.
والصلاة على سيّدنا ومولانا محمد نكتة الأكوان وجمالها ، والحجّة البالغة لله على كمالها ، الذي رقّاه في أطوار الاصطفاء ، وآدم بين الطّين والماء ، فجاء خاتم أنبيائها وأرسالها ، (٢) ونسخ الملل بشريعته البيضاء فتميّز حرامها من حلالها ، ورضي لنا الإسلام دينا ، فأتمّ علينا النعمة بإكمالها. (٣)
والرّضى عن آله وأصحابه غيوث رحمته المنسجمة وطلالها ، (٤) وليوث ملاحمه (٥) المشتهرة وأبطالها. وخير أمّة أخرجت للناس ، في توسّطها واعتداله ، وظهور الهداية والاستقامة في أحوالها ، صلّى الله عليه وعليهم صلاة تتّصل الخيرات باتّصالها ، وتنال البركات من خلالها.
أما بعد فإنّ الله سبحانه لما أقرّ هذه الملّة الإسلامية في نصابها ، وشفاها من
__________________
(١) يشير إلى الحديث : «كل ميسر لما خلق له» ، الذي رواه الإمام أحمد في مسنده» ، وانظر «كنوز الحقائق» للمناوى.
(٢) ورد في كلام كثير من علماء المغرب والأندلس ، جمع رسول على «أرسال». ولم يرد في معاجم اللغة هذا الجمع.
(٣) يشير إلى الآية ٣ من سورة المائدة : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
(٤) الطلال جمع طلل ؛ وهو أخف المطر.
(٥) الملاحم جمع ملحمة ؛ وهي الوقعة العظيمة القتل ، وموضع القتال ، والحرب.