سلطانه داخل باب النصر (١) من أعظم المصانع وأحفلها ، وأوفرها ريعا ، وأكثرها أوقافا وعيّن مشيختها ، ونظرها لمن يستعد له بشرطه في وقفه ، فكان رزق النظر فيها والمشيخة واسعا لمن يتولاه ، وكان ناظرها يومئذ شرف الدين الأشقر إمام السّلطان الظاهر. (٢) فتوفي عند منصرفي من قضاء الفرض ، فولاني السّلطان مكانه توسعة عليّ ، وإحسانا إليّ وأقمت على ذلك إلى أن وقعت فتنة الناصري.
فتنة الناصري : (٣)
وسياقة الخبر عنها بعد تقديم كلام في أحوال الدول يليق بهذا الموضع ويطلعك على أسرار في تنقّل أحوال الدول بالتدريج إلى الضّخامة والاستيلاء ثم إلى الضعف والاضمحلال والله بالغ أمره
__________________
(١) كذا بالأصول.
(٢) في السلوك (ورقة ١٤١ ا نسخة الفاتح) سنة ٧٩١ و: «... وفي ٢٦ ربيع الآخر ، استقرّ قاضي القضاة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في مشيخة الخانقاه الركنية (نسبة لركن الدين بيبرس) عوضا عن شرف الدين عثمان لأشقر بعد موته».
ومما يجب الالتفات إليه أن ابن الفرات حين ذكر في تاريخ الدول والملوك (١ / ٦٥ سنة ٧٩١) تولية ابن خلدون مشيخة البيبرسية قال : «... وكان قد تنزّل بها صوفيا ، وحضرها يوما واحدا ، لأن من شرطها أن يكون شيخها أحد الصوفية بها». فما يقال اليوم ـ استنادا إلى هذه التولية ـ عن تصوف ابن خلدون في مصر ، وعما عسى أن يكون له من دخل في تعديل ابن خلدون لبعض آرائه في «مقدمته» نتيجة لهذا التحول الروحي الجديد لا يقره نص ابن الفرات المذكور ، على أنه قد جاء في «تنبيه الغبي ، على تكفيره ابن العربي» للبقاعي (ورقة ٦٢ ا نسخة شهيد على ٧٣٤ / ٢) فتوى لابن خلدون في ابن العربي ، ومن سلك سبيله من المتصوفة ، وفي حكم الشرع في كتبه ، تعتبر دليلا صريحا على أن الرجل لم تحوله ـ تماما ـ فجيعته في أهله وولده ، وتوليته مشيخة الخانقاه هذه ، عن طريقته التي كان ينظر بها إلى الأشياء ويحكم بمقتضاها عليها.
(٣) انظر العبر ٥ / ٤٧٥ وما بعدها.