الهدايا الثلاث إلى باب الملك الظّاهر في آخر السّنة ، وعرضت بين يدي السّلطان ، وانتهب الخاسكية ما كان فيها من الأقمشة والسّيوف والبسط ومراكب الخيل ، وحمل كثيرا منهم على كثير من تلك الجياد وارتبط الباقيات.
وكانت هدية صاحب المغرب تشتمل على خمسة وثلاثين من عتاق الخيل بالسروج والّلجم الذهبية ، والسيوف المحلّاة ، وخمسة وثلاثين حملا من أقمشة الحرير والكتّان والصوف والجلد ، منتقاة من أحسن هذه الأصناف. وهدية صاحب تلمسان تشتمل على ثلاثين من الجياد بمراكبها المموّهة ، وأحمالا من الأقمشة. وهدية صاحب تونس تشتمل على ثلاثين من الجياد مغشّاة ببراقع الثياب من غير مراكب ، وكلها أنيق في صنعه مستطرف في نوعه ، (١) وجلس السّلطان يوم عرضها جلوسا فخما في إيوانه ، وحضر الرّسل ، وأدّوا ما يجب عن ملوكهم. وعاملهم السّلطان بالبرّ والقبول ، وانصرفوا إلى منازلهم للجرايات الواسعة ، والأحوال الضّخمة. ثم حضر وقت خروج الحاجّ ، فاستأذنوا في الحجّ مع محمل السّلطان ، فأذن لهم ، وأرغد أزودتهم. وقضوا حجّهم ، ورجعوا إلى حضرة السّلطان ومعهود مبرّته. ثم انصرفوا إلى مواطنهم ، وشيّعهم من برّ السّلطان وإحسانه ، ما ملأ حقائبهم ، وأسنى ذخيرتهم ، وحصل لي أنا من بين ذلك في الفخر ذكر جميل بما تناولت بين هؤلاء الملوك من السّعي في الوصلة الباقية على الأبد ، فحمدت الله على ذلك.
ولاية القضاء الثانية بمصر
ما زلت ، منذ العزل عن القضاء الأوّل سنة سبع وثمانين ، مكبّا على الاشتغال بالعلم ، تأليفا وتدريسا ، والسّلطان يولّي في الوظيفة من يراه أهلا متى دعاه إلى ذلك داع ، من موت القائم بالوظيفة ، أو عزله ، وكان يراني الأولى بذلك ، لولا وجود الذين
__________________
(١) في «عقد الجمان للعيني» (في حوادث سنة ٨٠٠ لوحة ٢٩ ، ٣٠ نسخة دار الكتب) ، ذكر لهذه الهدية بصورة تختلف عما يرويه ابن خلدون هنا. وانظر «الجوهر الثمين» لابن «قماق في حوادث سنة ٨٠٠ أيضا.