ملحق
ابن خلدون والجغرافيا في المغرب
في القرنين ١٥ و ١٦
أغناطيوس كراتشكوفسكي
لعلّ من المناسب ، ونحن ننتقل من القرن الرابع عشر إلى القرن الخامس في تحليلنا للأدب الجغرافي العربي ، أن نقف قليلا لنلقي نظرة على الآراء الجغرافية لدى ابن خلدون ، ليس ذلك فقط لأن ابن خلدون قد ولد في عام ٧٣٢ ه ١٣٣٢ وأكمل مصنّفه الأساسي في الربع الأخير من القرن الرابع عشر حوالي عام ٧٨٠ ه ١٣٧٨ وظلّ يضيف إليه إلى وفاته في عام ٨٠٨ ه ـ ١٤٠٦ وبهذا يقف على الحدّ الفاصل بين قرنين ؛ أقول ليس لهذه الأسباب فحسب ، بل لأنّ «مقدمة» كتابه في التاريخ تستهدف وضع علم جديد في الحضارة البشرية ، وتعرض لنا خلاصة لجميع معارف العصور السالفة في مختلف الميادين ؛ وهي تعطي فكرة جلية عن المستوى الذي بلغه العلم في العالم الإسلامي في بداية القرن الخامس عشر ، وذلك على يد واحد من أبرز علماء الإسلام ، زد على هذا أنّ ابن خلدون إنّما يمثّل من ناحية أصله وسيرة حياته مزيجا طريفا لحضارة ذلك العصر (١).
فأبو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ينتمي إلى فرع من كنده كان يقيم قبل الإسلام بحضرموت ، وقد دخل أجداده الأندلس مع الفتح واستقرّوا بقرمونه وإشبيلية ، وظهر من بينهم على مرّ القرون عدد من رجال الإدارة والفقهاء ؛ وفي الأندلس اتّخذ أول أجداده الاسم المغربي ابن خلدون. وبسقوط إشبيلية في عام ١٢٤٨ انتقل بنو خلدون إلى شمال إفريقيا واستقرّوا نهائيا بتونس ، وبها توفي في عام ٧٤٩ ه ١٣٤٨ والده ، الذي كان بدوره فقيها وإداريا ، وذلك بالطاعون الذي اجتاح
__________________
(١) عما ظهر عن ابن خلدون من دراسات وأبحاث راجع كتاب عبد الرحمن بدوي «مؤلفات ابن خلدون» القاهرة ١٩٦٢ ؛ وراجع أيضا «أعمال مهرجان ابن خلدون». القاهرة ١٩٦٢. (المترجم).