الباب الثّامن
في تقدير أوقات التّهجّد التي ذكرها الله تعالى في كتابه عن نبيّه والصّحابة
ويبين ما يتصل بها من ذكر حلول الشّمس البروج الاثني عشر
قال تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٨] وقال ثعلب : يذهب العرب بالدّلوك إلى غياب الشّمس وقول الشّاعر شعرا :
هذا مقام قدمي رباح |
|
غدوة حتّى ذهبت براح |
يدل على هذا وأصله أنّ السّاقي يكتري على أن يستقي إلى غيبوبة الشّمس وهو في آخر النهار يتبصّر هل غابت الشّمس ، وقوله براح أي تجعل راحته فوق عينيه ويتبصّر ، قال : وما روي عن ابن عبّاس من أنه زوالها للشّمس يسلم للحديث ، وغسق اللّيل ظلمته ، فإذا زادت فهي السّدفة ، وقال تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٩] قال أبو العباس ثعلب : قوله نافلة لك : يريد ليس لأحد نافلة إلّا للنّبي صلىاللهعليهوسلم لأنه ليس من أحد إلّا يخاف على نفسه ، والنّبي صلىاللهعليهوسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فعمله نافلة. فأمّا التّهجد فإنّه يجعل من الأضداد ، يقال : هجد وهجد وتهجّد إذا صلّى بالنّهار ، وهجد وهجد وتهجّد إذا صلّى باللّيل قائما وقاعدا وأنشد في النّوم قال :
هجدنا فقد طال السّرى |
|
وقدرنا أنّ خنا الدّهر غفل |
أي نومنا ، وأنشد ابن الأعرابي في النّوم :
ومنهل من القطا مورود |
|
وردت بين الهبّ والهجود |
قال : الهجود : النّوم كأنه أتاه في السّحر وهو بين النّوم والانتباه. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [سورة المزّمل ، الآية : ١ ـ ٣] وقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) [سورة المزّمل ، الآية : ٢٠] إلى قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [سورة المزمل ، الآية : ٢٠].