الباب الحادي عشر
في ذكر ـ سحر ـ وغدوة ـ وبكرة ـ وما أشبهها والحين والقرن
والآن وأيّان وأوان والحقبة والكلام في إذ وإذا وهما للزّمان وما أشبهها
قال أبو العباس محمد بن يزيد : اعلم أنّ المعرفة إذا أخبر عنها بنكرة فإنها توجب فيها مثل ما يكون لها لو كانت معرفة بنفسها ، وكذلك النكرة إذا أسند إليها معرفة ، والذي جعلها على هذا كونها خبرا عن معرفة ، ولو انفردت عنها لم يكن كذلك ، يقول : زيد منطلق فالعلم أنّ المنطلق هو زيد جعله مختصا كزيد ، ولو انفرد لكان شائعا ، وعلى هذا ما يقرب من النّكرات بالصّفات وما يجري مجراها كقولك كان عند رجل من آل فلان ، وويل لزيد ، لذلك يستفاد منه ما يستفاد من المعارف ، أو تقاربه ، فعلى هذا ما سمعنا بقول : سير عليه عشية أو غدوة أو ضحوة وكلّ ذلك نكرة لا يكون واحد من أمته أولى به من الآخر ، ولا يوم من الأيام أحقّ بتعلّقه به.
فإذا قلت : سير عليه يوم الجمعة عشية ، أو ليلة الجمعة عتمة ، وأنت تريد ذلك من يومك وليلتك ، لم يكن عشية ولا عتمة وما كان مثلهما إلا نكرات في الأصل ولوصفك إيّاهنّ موضع المعرفة ضعفن وامتنعن الصّرف ، فلم تكن إلّا ظروفا منصوبة بوقوع الفعل عليها ، ولم يقمن مقام الفاعل ، كما كان يجوز فيهنّ إذا قلت : سير عليه عشية من العشيّات ، وضحوة من الضّحوات ، لأن الظّروف إذا قوين في أبوابهنّ فعلن مفعولات على السّعة ، وأقمن مقام الفاعل ، ووضعن موضع الخبر مرفوعات ، كقوله تعالى : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) [سورة طه ، الآية : ٥٩] وكقولهم : أقمنا ثلاثا لا أذوقهنّ طعاما ولا شرابا ، وسير به يوم الجمعة ، وكقول لبيد شعرا :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه |
|
مولى المخافة خلفها وأمامها |
فعلى هذا يدور أمرهنّ ، وإذا هنّ نكرات ، أو كنّ معارف بأنفسهنّ فأما إذا وضعن وهنّ نكرات في موضع المعارف ، فقد أزلن عن بابهن وعرفهنّ غيرهنّ فلم يجز أن يخرجن من