فأشبه الغايات من نحو : قبل وبعد وما أشبههما ، لأنّها هي مفردة تضمّنت معنى المضاف إليه وهو معرفة فبنيت جميعا لذلك ، إلّا أنّ الغايات وجب أن تبنى على حركة لأنها ممّا قد يتمكّن في غير هذا الموضع ، فصارت لها مزيّة على ما لا يتمكّن البتّة ، فبناؤها لما لها في أوّل أمرها وحيث وجب أن تبنى على سكون لعدمها تلك المزيّة ، لكنّه حرّك آخره لالتقاء السّاكنين.
وفي حيث لغات أربع : حيث وحيث وحوث وحوث ، فالضّم لدخوله في شبه الغايات مما ذكرناه والفتح لخفّته. وحكى الكسائي عن بعضهم أنّهم يكسرون حيث فيقولون : من حيث لا يعلمون كسرة إعراب ، ويمكن في هذا أن يقال فيه : إنّه شبّه باسم الزمان إذا أضيف إلى غير متمكّن ، نحو من خزي يومئذ ويومئذ وعلى حين عاتبت وحين عاتبت.
والغايات أصلها الظّروف وإعرابها في الأصل : للنّصب والجر ، وكان تمامها بما كانت تضاف إليه ، فأفردت عنه اعتمادا على علم المخاطب به وجعلت في نفسها غاية الكلام ونهايته ، حتّى كأنّه لا افتقار فيه إلى غير هذا ، وقد ضمّن معنى ما كان مضافا إليه ويصير به معرفة ، والاسم إذا تضمّن معنى حرف فحقّه أن يبنى ، وإنّما قلنا : ويصير به معرفة أنك لو نكّرته لأعرب وأجري على أصله ، تقول : جئت قبلا وبعدا كما تقول : أولا وآخرا كما أنّك لو أضفته ، فقلت : من قبل كذا ، ومن بعد كذا لأعرب ولم يبن.
وقال أبو العباس : يقول في الجملة : إنّ كلّ ما كان حقّه الإضافة فحذفت منه استغناء بعلم المخاطب فإنّه معرفة من غير جهة التّعريف وحقّه البناء ، فمن ذلك : قبل ـ وبعد ـ وأوّل ـ ومنذ ـ وليس ـ وغير ـ يدلّك على حذف المضمر ما يحذفه بعد حرف الاستثناء إذا قلت : عنده درهم ليس إلّا ، حذفت ما بعد إلّا استغناء ومنها : من عل ويا زيد ، ومنها : قطّ وهو لما مضى من الدّهر وحسب وهي للاكتفاء ومعنى قطّ فيما مضى فانقطع ، والقطّ القطع عرضا ، والقدّ القطع طولا ، فهو معرفة لا يدخله الألف واللّام ولا الإضافة.
وقال شيخنا أبو علي : قطّ اسم ينتظم أوّل وقت ، ذي الوقت إلى آخر ما بلغه منه ، فهو عبارة عن أمده ومدّته ، فوجب لذلك أن يكون مضافا إلى ذي الوقت كما أضيف إليه قبل وبعد ، فلمّا اقتطع عن الإضافة بني على الضّم كما بنيا ، ومثل قط في انتظامه أوّل الوقت إلى آخره ، منذ : إذا أريد به تعريف أمد الشّيء وذلك نحو أن تقول : لم أر زيدا ، فيقال : ما أمد ذلك ، وما مدّته ، يعني انقطاع الرّؤية فتقول : منذ عشرون يوما فابتداء الوقت وانتهاؤه هذا في انتظام الاسم الذي هو مدّة لهما ، ومن ثم بني منذ أيضا على الضّم حيث كان غاية مثل قطّ ، ويجوز في جوابه المعرفة والنكرة وأبدا يدخله الألف واللّام لأنّه نكرة ومعنى أبدا فيما اتّصل وامتدّ من الوقت ، ومنه الآبدة والأوابد. ومعنى قطّ مخفّفة مسكّنة إذا قلت : قطك ليكفك