قال : فقالوا : يا رسول الله ما رأينا أفصح منك ، فقال : «وما يمنعني وإنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين» قواعدها أسافلها ، ورحاها وسطها ، ومعظمها ، وبواسقها : أعاليها. وإذا استدار فيها البرق من طرفها إلى طرفها فهي أعاليها وهو الذي لا يشك في مطره وجوده ، وإذا كان البرق في أسافلها لم يكد يصدق. قال ابن الأعرابي : وقال رجل من العرب وقد كبر وكان في داخل بيته ، وكان بيته تحت السّماء : كيف تراها يا بني؟ قال : أراها وقد نكبت وتبهّرت ، وأرى برقها أسافلها ، قال : أحلقت يا بني. معنى نكبت : عدلت عن القصد ، وتبهرت : تقطّعت. والبهر حفر يكون في الأرض ، والومض : أن يومض إيماضة ضعيفة ثم يخفي ، ثم يومض ثم يخفي ثم يومض ، وليس في هذا يأس مطر قد يكون ولا يكون. وأما المسلسل في أعاليها فلا يكاد يخلف.
ويقال : خفي كأقيد الطير واقيد الطير : نظره ـ ثم إغماضه ينظر نظرة ـ ثم يغمض ـ ثم ينظر نظرة ـ ثم يغمض. قال حميد بن ثور يصف البرق :
خفيّ كأقيد الطّير واللّيل ملبس |
|
بجسمانه والصّبح قد كاد يسطع |
قال الهذلي شعرا :
فسائل سبره الشّجعيّ عنّا |
|
غداة يخالنا نجوا خبيّا |
فصل
في كلام الأوائل ، يتبيّن منه حال الأندية والأمطار
والعيون والأنهار وغيرها
قالوا : إنّ المطر إذا وقع على الأرض اجتمعت منه المياه ، فإذا صادفت مكانا إلى الانصباب ما هو جرت منه الأودية والأنهار ، لأنّ المياه من شأنها طلب الحدور ، فإن صادفت حواليها أرضين مرتفعة بقيت فلم تجر ، فإن كانت تحتها أرض رخوة غارت أبدا إلى أن ينتهي إلى أرض أو جبل فلا يقدر على النفوذ فيقف فإذا كثرت المياه أكلت ما حولها من الأرضين اللّينة حتّى ينقب موضعها ، فيخرج منه فيسمّى ذلك الموضع عينا.
وربما انتقبت من ذلك الموضع الواحد مواضع كثيرة ، فجرت أنهار كثيرة وكلّها كانت أغزرا لتلك العيون. وإن كانت المياه المستنقعة كثيرة جدا لم تنقطع تلك العيون في أوّل الصّيف ، وانقطعت في آخره على قدر القلّة والكثرة. وربّما كانت تلك العيون غزيرة سنين كثيرة ، ثم ينقص ماؤها غير نقصان المطر وذلك أن ينتقب في جهة هذه العيون ، فيخرج بعض تلك المياه إلى تلك الجهة فإن كانت تلك الجهة منفسحة المذهب دام ذلك النّقصان. وإذا كانت تلك الجهة ليست بمنفتحة بل استقبل الماء مكانا عاليا أو جبلا تراجع الماء ،