الباب الثّاني والثلاثون
في الرّعد والبرق والصّواعق ، وأسمائها وأحوالها
وهو فصلان
فصل
قال الله عزوجل : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) [سورة الرّعد ، الآية : ١٣] الآية. وفي موضع آخر : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩] الآية. قوله : أو كصيّب تشبيه بعد تشبيه وذلك أنّ الله تعالى شبّه أعمال المنافقين واغترارهم بما اعتقدوه من مخادعة المؤمنين في إظهار موافقتهم وإبطان مخالفتهم ، وأنّ ذلك يقضي لهم بالفلاح والنّجاح فقال : مثلهم في ذلك وإن كان لا ينفعهم ولا يدفع السّوء عنهم ، بل يرجع بالوبال عليهم ، كمثل رجل أوقد نارا وهو يظنّ استبانة الطّريق بها ، فجاءت ضعيفة في إنارتها ، ولمّا أضاءت ما حولها وقدر بقاها على ما بها ، خمدت فعاد وهو أسوأ حالا وأشدّ عمّى لأنّ النّاظر في ظلمة بعد ضياء أضعف تبيّنا أو مثل قوم أصابهم صيّب استصحب رعدا وبرقا ونكدا وخوفا فخشوا رهبة من صاعقة تحرقهم ، وتنزل البلاء بهم وهذا القدر كاف هاهنا.
وروي أنه سئل ابن عباس عن البرق ، فقال : مخاريق الملائكة. وأصل المخراق خشبة في رأسها سنان عريض تحته عذبة ، وكان القوم إذا انصرفوا من حرب ظافرين قدّموا بشيرا معه مخراق ، ليعلم الحال به وكان يوفي على نشز بقرب منهم ، ويلوّح بالمخراق ، فيجتمع ولدان الحي فرحين ويقولون : مخرق المخراق في رأس اليضع ، فالجيش لا شكّ كما بدا رجع ، فلا يزالون كذلك حتّى تطلع عناق الخيل ، فيستقبلونها مصفقين ، وإذا انصرف الخيل مغلوبين ، أو طلبوا مددا بعثوا رجلا وأعطوه سيفا فأوفى على النّشز وألاح بالسّيف وصوّت ، ليعلم الحيّ بالحال فاجتمع الصّبيان باكين ويقولون : رأى حتفا وألاح سيفا ، وهذا رواه أبو نصر عن الأصمعي رأى حيفا ، قال ثعلب هذا تصحيف ما يروي الرّاوون الأجنفا ، ومنه قول تأبّط شرا :