كما أنّ التسعة منتهى الأنواع كلها الآحاد والعشرات والمئات والألوف لاشتمالها على الفرد ، وهو واحد والزّوج وهو اثنان والزّوج والفرد ، وهو ثلاثة والزّوجين ، وهو أربعة ، وقد انتهى أنّ ما يجيء من بعد يكون مكررا ، وإذا حسبت الجميع كان تسعة ، فكأنه سبحانه من حكيم أراد أن يكون انتهاء خلقه للعالم بأسره إلى عدد تام فيما يحصى كما أنّه في نفسه تام لا بخس فيه ولا شطط فيما يروى ويتلى.
ونظير هذه الآية قوله تعالى في موضع آخر : وإن كان فيه زيادة بيان ، وسنحكم القول في جميعه لأنّ ما فيه من زيادة بيان نقيضه إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [سورة فصّلت ، الآية : ٩] إلى (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [سورة فصلت ، الآية : ١٠] يريد ما أضيف إليه لو لا ذلك لما كان لقوله سواء للسائلين معنى فكأنه قال في تمام أربعة أيام سواء لمن يسأل عن ذلك ، ثم قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ) [سورة فصّلت ، الآية : ١١] إلى (فِي يَوْمَيْنِ) [سورة فصّلت ، الآية : ١٢].
واعترض بعض الملاحدة فقال : هذا باطل إنكم وفقتم بين التفصيل في هذه الآية وبين الإجمال في الآية المتقدّمة ، بأن تقولوا : قوله في أربعة أيام ، يريد مع اليومين الذين خلق الأرض فيهما ، فما قولكم في قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) الآية. فدلّت هذه الآيات على أنه خلق الأرض قبل السّماء.
وقال في موضع آخر : (أَمِ السَّماءُ بَناها) إلى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [سورة النازعات ، الآية : ٢٧ ، ٣٠] فدلت هذه الآية على أنه خلق السّماء قبل الأرض.
والجواب أنه إنما كان يحد الطّاعن متعلقا لو قال : والأرض بعد ذلك خلقها ، أو أنشأها وإنّما قال : دحاها ، فابتدأ الخلق في يومين ، ثم خلق السّماوات وكانت دخانا في يومين ، ثم دحا بعد ذلك الأرض أي بسطها ومدها وأرساها بالجبال وأنبت فيها الأقوات في يومين فتلك ستة أيام وليس أحد أنه تعالى لها في ستة أيام إلا كتكوينه إياها في غير مدة ولا زمان لكن الحكمة التي دللها عليها أوجبت تقسيمها والإتيان بها على ما ترى.
وقال في موضع آخر : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [سورة يونس ، الآية : ٣] وكان عرشه على الماء ، وهذا أبلغ في الأعجوبة أن يكون العرش هذا البناء العظيم على الماء وإنما يراعى في أسباب الأبنية ووضع قواعدها أن يكون على أحكم الأشياء فهو مثل ابتداع أعيانها وإقامتها بلا عهد ولا علاقة. وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [سورة فصّلت ، الآية : ١١] أي قصد خلق السّماء كما خلق الأرض سواء ، وعمد إليها بعقب خلقها من غير