الباب الخامس والثّلاثون
في ذكر المراتع المخصبة والمجدبة والمحاضر والمبادي وهو فصلان
فصل
قال الأصمعيّ : إنّ الأوطان والمراتع تختلف في هذا الباب اختلافا شديدا لأنّ منها ما يطول بقاء الرّطب ودوام الماء فيه. ومنها ما يقصر ذلك فيه.
ومن المراتع أيضا مسهفة معطشة. ومنها مرواة ، ولذلك تراهم يختلفون في ذكر هيج النّبات وفناء المياه ، فيأتي توقيت زمانه مقدّما ومؤخرا ، ويحضر قوم ويبقى قوم في النّجعة ، وربّما وجدت السّائمة متعلفا من بقايا الرّطب في مثاني الأرض ، ومحاني الأودية ، وأعماق البطون ، وأقام الحيّ يستحلف لهم من الاعداد على الزّوايا فيؤتون بالماء إلى مباديهم حتى يستنفدوا الرّطب فيكون حضورهم إذا لم يجدوا له مدفعا ، ولا يجدون إلى الأجزاء سبيلا.
واعلم أنّ المراعي تنقسم قسمين : خلّة وحمضا ، فالحمض ما كانت فيه ملوحة والخلّة ما لا ملوحة فيه. والحمض : يرخي بطون الإبل ويعنق لحومها ، ويطيل أوبارها وينفشه ، ويغلظ ويكثر عليه شربها.
والخلّة على خلاف ذلك ، والخلّة للإبل كالجز ، والحمض كالأدم ، فإذا عافيت بينهما كان ذلك أفضل ما يكون.
وإذا أخضب النّاس قيل : أحيوا الحيوان أحياء ، والحياء الخصب ، وجمع الخصب أخصاب ، وجمع الحياء أحياء ، وأنشد الأصمعيّ في جمع الخصب :
كأنّما يزينه الإخصاب بالمعر الحمر
. وهذا عام : حياء ـ وعام أوطف ـ وأعزل ـ وأقلف ـ وغيداق ـ وعام فنق ـ وكلّ ذلك معناه الخصب قال. لم ترج رسلا بعد أعوام العنق. فإذا كان عاما مشهورا بالخصب قيل له : عام المال. قال :