مِيقاتاً) [سورة النبأ ، الآية : ١٧] إلى (سَراباً) فإن سأل سائل عن معنى قوله : (فَكانَتْ أَبْواباً) [سورة النبأ ، الآية : ١٩]. وعن وجه التشبيه بالسّراب قلت : معنى قوله : أبوابا يريد كانت ذات أبواب مفتّحة ، وليس المعنى صارت كلّها أبوابا ، كما أنّ قوله: كانت فراخا بيوضها صارت كلّها فراخا ، لأنها إذا صارت كلّها أبوابا عادت فضاء ، وخرجت من أن تكون أبوابا.
وأما التّشبيه بالسّراب ، فالمراد به بيان إلماعها ، وتخلخلها في نفسها ، والسّراب هو الذي يتخيّل للنّاظر نصف النّهار كأنه ماء يطرد ، ويقال : سرب الماء يسرب ، إذا سال ، والمراد ما يتداخل النّفس من تغير المعهود ، وقد أخرج الله تعالى صفة القيامة في معارض مختلفة لاختلاف أحوال المسوفين ، وكرر ذكرها ، وحذّر منها ، ونبّه من أمرها على كثير مما يكون فيها ليبين فظاعتها فقال تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) [سورة المرسلات ، الآية : ٨] إلى (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) ، وقال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) [سورة الحجر ، الآية : ٤٨] الآية ، فتبديل الأرضين والسّماوات وإطفاء الضّوء وتفريج السّماء وتحليل عقدها حتى تصير أبوابا وطمس نجومها ؛ وانتشار كواكبها ، ونسف جبالها كلّ ذلك ، أو أكثرها مما تؤكد حال الفناء ، وإزالة معاقد الأرض والسّماء. وقد درج تعالى في هذه الصفات لأنه تعالى ردّدها متفننة في أوقاتها بين أوائلها ، ووسائطها ، وأواخرها فمن ذلك قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) [سورة النازعات ، الآية : ٦] إلى (بِالسَّاهِرَةِ). وقال تعالى : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) أي الوعد به صدق ، أو يراد به أنه يوم حق لا باطل معه إذا قام الأوّلون والآخرون ، ويجتمع متفرّق الأسباب ، ومتمزّق الأجلاد ، ويعود غائب الأرواح ، ويحشر الأفواج. وقد قال تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) [سورة النازعات ، الآية: ٣٤] والطّامة هي العالية على ما قبلها.
وقال تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [سورة الانفطار ، الآية : ١] إلى (وَأَخَّرَتْ) ، وقال تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [سورة الانشقاق ، الآية : ١] إلى (وَتَخَلَّتْ) و (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [سورة التكوير ، الآية : ١] و (إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) ، و (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [سورة الزلزلة ، الآية : ١] ، وقال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٧] إلى آخر السورة. وهذا السؤال ، والجواب مثل سؤالهم عن الرّوح فقوله : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) [سورة النازعات ، الآية : ٤٤] مثل قوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) وقال تعالى : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [سورة البروج ، الآية : ١٢] والإبداء إبداعه الخلق كلّه لا من شيء والإعادة ما وعد به من الإحياء بعد الإماتة ، والبعث ، والحشر ، وإعداد الثّواب والعقاب.
وحكي عن الأصمعي أنه قال : إذا قال الرجل : أول امرأة أتزوّجها فهي طالق لم يعلم هذا من قوله حتى يحدث بعدها أخرى ، فإن ماتت لم تكن أول لكنه لا تشركها أخرى.