الباب الحادي والخمسون
في ذكر التّاريخ وابتدائه والسّبب الموجب له ، وما كانت العرب عليه لدى الحاجة إليه في ضبط آماد الحوادث والمواليد وهو فصلان :
فصل
تاريخ كل شيء في اللغة غايته ووقته الذي انتهى إليه. ومنه قولهم : فلان تاريخ قومه في الجود : يريدون الذي انتهى إليه ذلك ، وسئل بعض أهل اللّغة ما معنى التاريخ؟ قال : معنى التأخير. وقال آخر : بل هو إثبات الشيء.
ويقال : ورخت الكتاب توريخا هو لغة بني تميم وأرخته تأريخا لغة قيس وتأريخ وتاريخان وتواريخ.
ويقال : أرخ كتابك وورّخه. قال أحمد : جميع ما ذكرنا فيه من اختلاف اللّغات وما دارت عليه الكلمة في التّصاريف يدل على أنّها جارية مجرى ما أصله العربية دون ما نقل إليه من العجمية ، ولكل نبوة ومملكة تاريخ ، فأمّا العرب فكانوا يؤرخون بالنّجوم قديما وهو أصل ، ومنه صار الكتّاب يقولون : نجمت على فلان كذا حتى يؤديه في نجوم ويجمع النّجوم أنجمه.
ويقال : نجم له رأي أي ظهر ، واشتهر لفظة النّجم بالثّريا فأما قوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [سورة النّجم ، الآية : ١] كان الكلبي يقول : والقرآن إذا نزل نجوما أو شيئا بعد شيء وقال غيره : النّجم هاهنا الثّريا أقسم الله تعالى به على المعنى الذي فسّرناه كأنه قال : وخلقي الذي لا يقدر أحد أن يخلق مثله ، وعلى أقسامه بالطّور والتّين وما أشبههما ، وفسّروا قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [سورة الواقعة ، الآية : ٧٥] على النّجوم الطّوالع لقوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [سورة الواقعة ، الآية : ٧٧] وعلى نجوم القرآن أيضا ، وقيل في قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [سورة الواقعة ، الآية : ٧٧] إنّ النّجم ما نجم من النّبات ولا ساق له ويقال لواحد : هذا النّجم نجمة. قال الحارث بن ظالم شعرا :