قال أبو العباس المبرّد : وهذا خطأ لأنّ قوله : أول هو موقع لما بعده وذلك أن تأتي بعده بما شئت ، ولا يكون آخر إلّا لشيء قبله غيره ، وإنّما هو مأخوذ من آخره. وقيل : لما كان لا أول له. قال المبرد : ولا يجوز هذا إلّا في صفة القديم تعالى ، فهو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن. وقال الفقهاء : إذا قال الرجل : أوّل عبد أملكه فهو حر ، فملك عبدين جميعا معا لم يعتق واحد منهما ، وإن ملك بعد ذلك عبدا آخر لم يعتق أيضا لأنه ليس بأول ، ولو قال : أوّل عبد أملكه فهو حر ، فملك عبدا ونصف عبد عتق العبد ولم يعتق النّصف لأنّ هذا أول عبد ملكه ، والنّصف لا يسمّى عبدا واحدا ، ولو قال آخر : امرأة أتزوّجها من النّساء فهي طالق ، فتزوّج امرأة ، ثم تزوّج أخرى ، ثم طلّق الأولى ، ثم تزوّجها ، ثم مات فإنّ الطّلاق يقع على الثانية التي تزوّجها وما يقع على التي تزوّجها أول مرة وليست بآخر ، والتزوج بها ثانيا لا يخرجها من كونها أول امرأة.
ألا ترى أنه لو نظر إلى امرأتين ، فقال : آخر امرأة أتزوّجها منكما فهي طالق ، فتزوّج إحداهما ، ثم تزوّج الأخرى طلقت الثانية حين يتزوجها لأنها آخر امرأة تزوّجها منهما ولو تزوّج الأولى بعد الثانية لم تطلق ، وكان المبرد إنما قال : لا يجوز هذا إلّا في صفة القديم لمكان الآخر لأنه لم يزل ولا يزال ، أولا وآخرا ، والواحد منّا ليس كذلك فاعلمه.
ومنه قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [سورة طه ، الآية : ١٤] وفي موضع آخر (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٨] إلى (مَقاماً مَحْمُوداً) ، وقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) يريد أدمها واثبت عليها فلان لا يقوم لكذا ، وهذا يقوم علي بكذا ، فله تصرّف في الأمر واسع. قوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) يحتمل وجهين : أحدهما أقم الصّلاة لتذكرني بها أي الصّلاة ذكرى لقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٤٥] وقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أي إذا ذكرتني ، فأقم الصّلاة كأنه يرجع النّسيان كالذّكر في الوجه الأول تسبيح الله وتمجيده بصفاته الكريمة ، وفي الوجه الثاني الرّجوع إليه بعد ذهول يسبق ونسيان يلحق ، واللّام من قوله : لذكري أي عند ذكري ، وكذلك قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي عنده ولام الإضافة يدخل في الكلام لوجوه.
أـ التمليك : كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [سورة النجم ، الآية : ٣١] وكقوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [سورة الجن ، الآية : ١٨].
ب ـ أن يكون الشيء سببا لغيره ، وعلّة له مثل قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [سورة الإنسان ، الآية : ٩].
ج ـ أن يكون دخوله لمعنى الإرادة كقولك : قمت لأضرب زيدا أي قمت إرادة