الباب الثّامن والخمسون
في معرفة أيام العرب في الجاهلية وما كانوا يحترفونه ويتعايشون منه وذكر ما انتقلوا إليه في الإسلام على اختلاف طبقاتهم.
اعلم أنّ احتراف العرب في الجاهليّة وقرب الإسلام على وجوه خمسة : قود الكتائب ـ وجرّ الغارات ـ وشنّها على القبائل حين كان الزّمان من عزيز ـ وأخذ الرؤساء منهم المرباع ـ وما يجري مجراه من الصّفية والفضول والنّشيطة ، وصنوف الاحتكام منهم. ثم الوفادات على الملوك في فكّ الأسرى ـ وحقن الدّماء وحمل الدّيات ـ وإصلاح ذات البين وغيرها ، ثم ترقيح (١) العيش من ظهور الإبل وبطونها ونتاج الخيل ، ثمّ غراس النّخل ـ لذلك روي عنه صلىاللهعليهوسلم : «خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة».
وروي أيضا : الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة» إلى كثير تركناه لشهرته ، كقوله صلى الله عليه وسلم : «ارتبطوا إناث الخيل ، فإنّ ظهورها حرز وبطونها كنز». وكقوله صلىاللهعليهوسلم : «الخيل تعدو بأحسابها فإذا كان يوم الرّهان عدت بحدود أربابها» وكقوله : «جعل رزقي في أطراف الأسنة» يعني من الغزو ، ثم طبقة العسفاء والجمّالين وهذه حرفة يرغب عنها كرامهم وصرحاؤهم فهذه وجوه مكاسبهم ، ومعالم حرفهم عليها تدور أزمنتهم قبل الإسلام وبها شافهت ما داناه.
ثم صارت في الإسلام على أربع طبقات :
الأولى : مهاجرون يقبضون الدّواوين ويحفظ بهم البيضة فيغزون الثّغور ويقاتلون العدو. حكي عن جعفر بن محمد قال : قال علي رضياللهعنه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الخير في السّيف والخير مع السّيف والخير بالسّيف».
والثانية : مقيمون يعتملون سوارح الإبل وروائحها ، ويتبعون مساقط الكلام ، ومدافع المطر ، ويكرّون عواملهم إلى الأمصار والكور ويتواردون الأرياف وجوانبه الخضر.
__________________
(١) في القاموس ترقيح المال صلاحه والقيام عليه. ١٢ محمد شريف الدين.