الباب الثّاني والستون
في الكواكب الخنّس وفي هلال شهر رمضان
قال الله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) [سورة التكوير ، الآية : ١٥ ـ ١٦] وقد تقدّم القول في أنّها خمسة : زحل ـ والمشتري ـ والمريخ ـ والزهرة ـ وعطارد. وأنّها سيّارة كالشّمس ـ والقمر. وقد يسمّى بعضها بغير هذه الأسماء المريخ بهرام. ويسمّى المشتري البرجيس ـ ويسمّى الزّهرة أناهيد ـ ويسمّى زحل كيوان ـ ويسمّى القمر ماه ـ وتسمّى الشمس مهر ـ ويسمى عطارد نير ـ وقال رؤبة :
أسقيه نضّاح الصّبا بجيسا |
|
كافح بعد النّثرة البرجيسا |
البجيس : المتفجّر ، وفي القرآن : (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [سورة الأعراف ، الآية : ١٦٠].
ويقال : هذه أرض تنبجس عيونا ، وكافح : واجه. والنّثرة : من ذوات الأنواء ، والبرجيس : هو المشتري ، ولا حظّ له في المطر عندهم ، وظن رؤبة أنه من ذوات الأنواء ، وهذا كما أنّ الكميت قال وهو يصف ثورا بشدّة العدو شعرا :
ثم استمر وللأشباه تذكرة |
|
كأنّه الكواكب المريخ أو زحل |
أراد أن يشبّهه بكوكب منقض ، فظنّ أنّ المريخ وزحل ينقضّان ، وقيل في عذر رؤبة : إنه كان سمع البرجيس وإنه اسم كوكب ، وخفي عليه أنه اسم المشتري في لسان غيرهم. وقيل في عذر الكميت : إنّ انقضاض الكوكب إسلامي رجم به مسترقة السمع ، ولم يعرف قبل الإسلام فلذلك خفي عليه أنّ المريخ وزحل ليسا من الرّجوم. وإنما سمّيت هذه الكواكب خنّسا لأنها تسير في الفلك ثم ترجع ، بينا أحدها في آخر البروج كرّ راجعا إلى أوّله ، ولذلك لا ترى الزّهرة في وسط السّماء أبدا ، وإنّما تراها بين يدي الشّمس أو خلفها.
وذلك أنّها أسرع من الشّمس ، فتستقيم في سيرها حتى تجاوز الشّمس فتصير من ورائها ، فإذا تباعدت عنها ظهرت بالعشاء في المغرب ، فترى كذلك حينا ثم تكرّ راجعة نحو