مروم ، ولا يتكأده مطلوب ، لا يخطئ تدبيره ، ولا يقصر عن الحاجة تقديره آخر مراده وفق أوله لائق بآخره.
وأما إحياء الأرض بعد موتها فتمثيل للحشر والبعث ، وتنبيه على أنه تعالى تتجدد منحه حالا بعد حال ، ووقتا بعد وقت ليكون للعائشين بها أهنأ ، وفي إظهار القدرة عليها أحكم ، ويجوز أن يقال : وصفت الأرض بالحياة لينشأ النبات عنها كنشوء النتاج عن الحيوان فقيل : إذا كانت عامرة حيّة ، وإذا كانت هامدة ميتة ، ويجوز أن يقال : وصفت بذلك لأنّها تخرج ما تحيي به النّفوس من الثمار والزّروع. قوله : (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٤] يريد من جهة السّماء ومن نحو السّماء ، وفي موضع آخر : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [سورة الفرقان ، الآية : ٤٨] يجوز أن يكون بدلا من الماء ، أو تبيينا له وتفسيرا ، أو يكون كالفطور وأمثاله فلا يدل على الكثرة ، وإذا جاز ذلك فيه فليس لأحد من الفقهاء أن يتعلق بظاهر الآية فيقول : إنّ طهورا فعول ، وهو صفة للماء فيجب أن يدل على الكثرة والمبالغة في الحكم الذي يجب في فعول إذا كان صفة لأنّ فعولا قد يكون كالفطور فلا يدل على الكثرة ، ولأنه قد يجوز أن لا يكون صفة للماء بل يكون بدلا وتفسيرا ، ويسقط التعلّق بظاهر الآية.
وأما قوله تعالى : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٤] فيستدلّ به على الاقتدار على ما لا يتأتى للعباد إن ميسرها لأوان فقرهم إليها إن شاء جعلها السّبب في إهلاكهم بها ، فهو مذكّر واعظ ومبشّر قادر ، ومعنى تصرفها تحوّلها من حال إلى حال ومن جهة إلى جهة ، وكذلك صرف الدّهر تقلبه ، وقال الحسن : الصّرف النافلة ، والعدل الفريضة.
قوله تعالى : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٤] أصل البث التفريق ، ثم توسع فيه فقيل بث فيه الشّراب والسّم ، ويريد بالفلك السّفن إذا أصعدوا في البحر للتجارات وما يجري مجراها ، ويقع على الواحد ، والجمع قال تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [سورة الشعراء ، الآية : ١١٩] وإذا أنث فلأنه أريد به الجمع ، وأصله الدّوران ، ومنه تفلّكت الجارية إذا استدار ثديها ، وإنّما استوى الواحد ، والجمع فيه لأنّ فعلا وفعلا يشتركان كثيرا كمثل قولهم : العرب العرب ، والعجم ، والعجم ، والبخل ، والبخل ، فمن قال : في أسد أسد ، قال : في فلك فلك ، فجمعه على فعل ، ومثل هذا قولهم : هجان لأن فعيلا وفعالا يشتركان في الجمع ، كقولك : قضيب وقضب ، وكتاب وكتب ، فمن قال : كريم وكرام ، وطويل ، وطوال يلزمه أن يقول : هجين ، وهجان. فإن قال قائل : لم جمعت اللّيل ولم يجمع النهار؟ قلت : النّهار بمنزلة المصدر ، فهو كقولك : الضّياء والظّلام ، فوقع على القليل