حج النبيّ صلىاللهعليهوسلم فلما كانت السّنة التي حجّ فيها النبيّ صلىاللهعليهوسلم عاد الحج إلى ذي الحجة ، فذلك قوله : «إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السّماوات والأرض».
ثم قال لما فرغ من خطبته : «أيّ يوم هذا»؟ قالوا : يوم حرام ، قال : «أي شهر هذا» قالوا : شهر حرام. قال : «أي بلد هذا؟» قالوا : بلد حرام ، فقال : «ألا إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا اللهم هل بلّغت».
ومراد النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قد ثبت الحج في ذي الحجة على ما كان عليه في أيام إبراهيم عليهالسلام ، فهذا أيضا طريقه ، والأول أشبه وأشهر وجميع هذا ، أو أكثره حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام أيضا. وقيل : إنما قيل رجب مضر لأنّها كانت تعظّمه ، وتحرّمه ، ولم يكن يستحلّه العرب إلّا حيّان خثعم وطيء فإنهما كانا يستحلان الشهور ، فكان الذين ينسئون الشّهور أيام الموسم يقولون حرمنا عليكم القتال في هذه الشهور إلّا دماء المحلّين.
فصل في تأويل أخبار مروية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والصّحابة
وبيان ما يحمد ويذم من معتقدات العرب في الأنواء والبوارح
وهذا الفصل لائق بما قدّمناه من التّنزيل ، فلذلك جعلناه من تمامه. روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «ثلاث من أمر الجاهلية الطعن في الأنساب ، والنّياحة ، والاستسقاء بالأنواء». فالاستسقاء بها منكر ، كما قال صلىاللهعليهوسلم إلّا أنّ العرب مختلفون فيما يراعونه من قسمة الأزمان والفصول والحكم على الأحداث الواقعة في الأحوال والشّهور ، ولهم في ذلك من صدق التأمل ، واستمرار الإصابة ما ليس لسائر الأمم ، يدل على ذلك أنّ كل ما حكموا به قديما عند طلوع هذا المنازل من تحت شعاع الشّمس بالغدوات في ناحية المشرق وسقوط نظائرها في المغرب من أحوال فصول السّنة ، وأوقات الحر ، والبرد ، ومجيء الأمطار والرّياح فإنّها تجري على ما حكمت به إلى أن لا يتغير ولا يتبدل إلّا على طريق الشذوذ ، وعلى وجه لا يحصل به الاعتداد وعلى ذلك فهم مختلفون.
فمنهم من اعتقد أن تلك الحوادث من أفعال الكواكب ، وأنها هي المدبرة لها والآتية بها حتى صارت كالعلل فيها والأسباب ؛ وأنّ للأزمنة تأثيرا في أهلها كما أنّ للأمكنة تأثيرا في أهلها ولذلك أخذ قرن عن قرن النّاس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، قالوا : فتصاريف الأزمان تؤثّر في الخلق والأخلاق والصّور والألوان والمتاجر ، والمكاسب والهمم والمآرب والدّواعي والطّبائع واللّسن ؛ والبلاغات والحكم والآداب ، فذمّ الله تعالى طرائقهم ونعى عليهم عقائدهم ، وقال حاكيا عنهم : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [سورة الجاثية ، الآية : ٢٤] الآية ، وهذا تجهيل من الله تعالى لهم ، وذكر بعضهم أنّ