سمعت (١) أبا عامر يقول ذات يوم وقد جرى ذكر مالك بن أنس رحمهالله : جلف جاف دخل عليه هشام بن عمّار فضربه بالدرّة ، وقرأت عليه بعض كتاب «الأموال» لأبي عبيد ، فقال لي يوما وقدم بعض أقوال أبي عبيدة ما كان إلّا حمارا مغفّلا (٢) لا يعرف الفقه ، وحكى لي عنه : أنه قال في إبراهيم النخعي : أعور سوء ، فاجتمعنا يوما عند أبي القاسم بن السّمرقندي في قراءة «الكامل» لابن عدي ، فحكى لابن عدي حكاية عن السعدي فقال : يكذب ابن عدي ، إنما هذا قول إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، فقلت له السعدي هو الجوزجاني ، ثم قلت : إلى كم نحتمل منك سوء الأدب؟ تقول في إبراهيم النخعي كذا ، وفي مالك كذا ، وفي أبي عبيد كذا ، وفي ابن عدي كذا؟ فغضب وأخذته الرعدة ، وقال : كان البرداني ، وابن (٣) الخاضبة وغيرهما يخافوني ، وآل الأمر إلى أن تقول لي هذا؟ فقال له ابن السّمرقندي : هذا بذاك ، وقلت له : إنّما نحترمك ما احترمت الأئمة ، فإذا أطلقت القول فيهم فما نحترمك ، فقال : والله لقد علمت من علم الحديث ما لم يعلمه غيري ممن تقدمني ، وإنّي لأعلم من صحيح البخاري ومسلم ما لم يعلماه من صحيحيهما (٤) فقلت له على وجه الاستهزاء : فعلمك إذا إلهام ، فقال : أي والله إلهام ، وتفرّقنا وهاجرته ، ولم أتمم عليه كتاب «الأموال» ، وكان سيئ الاعتقاد ، يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها ، بلغني أنه قال يوما في سوق باب الأزج (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ)(٥) فضرب على ساقه ، وقال : ساق كساقي هذه ، وبلغني عنه أنه قال : أهل البدع يحتجون بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٦) أي في الإلهية تاما في الصورة ، فهو مثلي ومثلك ، فقد قال الله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ)(٧) أي في الحرمة لا في الصورة.
وسألته يوما عن مذهبه في أحاديث الصفات فقال : اختلف الناس في ذلك ؛ فمنهم من تأوّلها ، ومنهم من أمسك عن تأولها ، ومنهم من اعتقد ظاهرها ، ومذهبي أحد هذه الثلاثة مذاهب ، وكان يفتي على مذهب داود ، فبلغني أنه سئل عن وجوب الغسل على من جامع ولم
__________________
(١) راجع الخبر في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٧٩ ومعجم البلدان.
(٢) بالأصل ، ود ، و «ز» : «معقد» والمثبت عن معجم البلدان وسير الأعلام.
(٣) بالأصل : «وافر» والمثبت عن د ، و «ز» ، والمصدرين.
(٤) بالأصل : صحيحهما ، والمثبت عن د ، و «ز» ، والمصدرين.
(٥) سورة القلم ، الآية : ٤٢.
(٦) سورة الشورى ، الآية : ١١.
(٧) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٢.