لقد كان جلال العجوز مسرورا ؛ لأنه أصبح موضوع دعابة من القافلة ، ولكنه بلسانه السليط كان كثير الشكوى ولاذعا ، وإنما كان حاضر البديهة يستطيع قلب الموقف على خصمه ، حماره كان صغيرا حيث اشتراه رخيصا عند ما كان رضيعا ، ومن شدة اعتنائه به ، قلما يركبه ويسير بقدميه يومين باحثا له عن عشب مخصوص ، وقد علّمته خبرته الطويلة أين يجد العشب من أجل «ابنه الحمار» كما كان يسميه.
كنت أتحدث مع الرجل العجوز وجملي يمشي بخفة حسب ما تقتضيه حالته المرهقة حتى وصلنا إلى (باهل) (١) وهي قرية صغيرة مليئة بالحشائش وتبعد حوالي ٦ أميال من (جاسك) ويسكنها أهالي (حشدان) (٢) الذين انتقلوا إليها منذ فترة قريبة.
كبير هذه القرية يدعى «جمعات» وتلفظ عادة «جمعة» ـ صديق قديم لي ـ وكان أيضا صيادا في جبال (حشدان) (لكل قناص حق الصيد في منطقته ويرثها عن أجداده) وقد صاحبنا الزعيم لبعض المسافة وأوصى ابنه «جني» أن يكون تحت تصرفنا ، وقام بركوب الجمل ـ إبليس العجوز ـ أثناء الرحلة.
القرويون في (حشدان) لهم ثلاثة تجمعات تبعد كل واحدة عن الأخرى ٨ أميال ، وفي كل تجمع يقضون جزءا من السنة ، أما (باهل) ولكونها منخفض تتجمع فيه مياه الأمطار ، فإنها تنتج محصولا وافرا من حشائش
__________________
(١) باهل أو بهل : قرية للسماكين يقطنها أغلبية من «الميد» ومن الأفارقة ، ويعملون في صناعة شباك الصيد. كان بها حامية لقوات «رضا شاه» أبادها الأمير «مراد بن مصطفى» لا حقا في الثلاثينيات من القرن الماضي.
(٢) حشدان : قرية تبعد ١٥ كيلو مترا شمال شرق جاسك ، بها أشجار نخيل وأهلها من البلوش والميد وقبيلة السويدي الذين استقروا بها من قادمين من الإمارات وساحل عمان.