جرح غرامة مقررة تدفع غنما أو ذرة ، ولكنها تتفاوت باختلاف العضو المصاب من الجسم ، وهى عادة بدوية قديمة تجدها منتشرة كذلك بين أهالى إبريم مع هذا الفارق ، وهو أن الغرامة يأخذها المجنى عليه لا الأغا. وإذا قتل نوبى أحدا من قبيلة الحاكم ، أو من الغزّ (وهو لقب المماليك فى مصر والنوبة) أو من أهل إبريم ، فإنه لا يدفع لأسرة القتيل دية لأنه يعد جنديا لا عربيا ، ولكن الحاكم يقتضى غرامته رغم ذلك. وبين الكنوز والنوبيين ، جيرانهم الجنوبيين ، عداء شديد. ويرمى النوبيون الكنوز بالبخل والحرص والغدر ، أما الكنوز فيدعونهم عبيدا قذرين لا يفضلون الزنوج فى معيشتهم. وكثيرا ما تلتحم القرى المتجاورة فى معارك دموية نتيجة لهذا العداء ، فإذا قتل أحد من الفريقين كان لأسرته أن تقتضى الغرامة المقررة فى مثل هذه الحالات ، أو تثأر للقتيل من أسرة القاتل. وأهل إبريم يثأرون لقتلاهم عادة ، ولكنهم لا يقنعون كما يقنع بدو جزيرة العرب بالثأر من أى قريب من عصب القاتل ، فى حدود المرتبة الخامسة من القرابة. فلن يقوم مقام القاتل فى عرفهم غير أخيه أو ولده أو ابن عمه ، لذلك كثيرا ما تكون النتيجة أن تلوذ الأسرة كلها بالفرار.
ويبتز حاكم النوبة الأموال الطائلة بأساليب مختلفة كما قلت ، ولكن جورهم يقتصر على أملاك رعاياهم دون حياتهم ، فهم لا يضربونهم ولا يقتلونهم إلا إذا شقوا عصا الطاعة وجهروا بالثورة عليهم ، وكثيرا ما يفعلون (١). وإذا هرب نوبى يريدون ابتزاز ماله حبسوا زوجته أو أبناءه الصغار حتى يعود ، وهو إجراء يضج الأهالى بالشكوى منه ، ولا يلجأ إليه حتى القضاة من ولاة مصر والشام ، فهؤلاء يحترمون نساء ألد أعدائهم وأبناءهم. وثمة طريقة فذة ابتدعها حكام النوبة لابتزاز أموال رعاياهم ، ذلك أنهم إذا عرفوا أن لأحد سراتهم فتاة بلغت سن الزواج طلبها الحاكم لنفسه عروسا ، وقلما يجرؤ أبوها على رده ، بل إنه ليزهو أحيانا بهذا الشرف. ولكن هذه المصاهرة سرعان ما تجر عليه الخراب والإفلاس ، لأن صهره القوى يسلبه كل ما يقتنيه بحجة أنه يقدمه هدية لابنته. وهكذا تجد للحكام
__________________
(*) اشتهر عن القبيلة العربية التى يسميها النوبيون أمنلاب [عون اللاب] ـ ولعلها أمة الأب ، لأن نطقهم للعربية ردىء ـ والتى تسكن القرى المجاورة لقرشة ، مقاومتها للحكام وخروجها عليهم ورجالها أكثر عرب الكنوز استقلالا ، وهم يأبون تزويج بناتهم لأتباع الحكام.