عشرة أيام أو اثنى عشر حتى يختمر الشراب فيكشف عنه ويمكن عندها تعاطيه. ولكن أجله لا يطول عن الحول ، ولا يتعدى محصول البلح التالى ، وإلا شابت طعمه حموضة ، كذلك يصنع النوبيون شرابا يسمى البوظة ، وهو شديد الشبه بالجعة أو البيرة ، ويستخرجونه من الذرة أو الشعير. وأفضله من الشعير ، ولونه كدر ، وهو عظيم القيمة الغذائية. وفى القاهرة وسائر المدن والقرى الكبيرة فى الصعيد دكاكين لبيع البوظة أصحابها من النوبيين وحدهم. وتستهلك فى الدر مقادير كبيرة من الشربوت وعرقى البلح المقطر : ويباع الخمر فى مشارب خاصة ويتعاطاه أفراد الطبقة العليا ويثملون به كل مساء ، وتصنع خمور البلح وتباع علانية فى كل أرجاء الصعيد من أسيوط فصاعدا ، ويفرض الباشا ضريبة على تجارها. ويستخرج من البلح أيضا ضرب من المادة الهلامية كالعسل يأكله الأغنياء كالحلوى. وليس فى النوبة فاكهة غير البلح وقليل من العنب رأيته فى الدر.
ومناخ النوبة صحى جدا على شدة قيظه فى الصيف ، لا سيما فى البقاع الصخرية الضيقة ، ولعل السر فى ذلك جفاف الهواء. ولست أذكر أننى رأيت فردا واحدا فى الأسابيع الخمسة التى أنفقتها هناك يشكو مرضا من الأمراض. وقد يفد الجدرى أحيانا على النوبة فيفتك بالناس فتكا ذريعا فى كل أرجائها عدا وادى الكنوز. ولا يعرف الناس التطعيم ، أو قل إنهم لا يمارسونه ، سواء فى النوبة أو فى صعيد مصر ، وقد فشلت المحاولات العديدة التى بذلت لإدخال نظام التطعيم فى الصعيد ، أو على الأصح لتثبيته ، وزعم بعض الرحالة أن هذا الوباء يفد على مصر من الجنوب ، وهو زعم خاطىء لأنه لا يبلغ فى انتشاوه فى النوبة الشلال الثانى ، ولا يعرف فى دنقلة ولا على طول الطريق إلى سنار.
والرجال فى النوبة على العموم ذوو أجسام قوية مفتولة وتقاطيع وسيمة ، وهم أقصر قليلا من المصريين ، لا شوارب لهم ، ولحاهم صغيرة لا تجاوز أسفل ذقونهم ، كلحى الأسرى الذين ترى صورهم على لوحات المعارك المرسومة على المعابد المصرية. وكثيرا ما لحظت فى أثناء رحلتى فى قرى النوبة أن هناك على العموم تناسبا بين قامة الأهالى وبين عرض الأرض الزراعية ، فأينما كان الوادى