أهل البلاد. أما كيس نقودى الذى حملته فى حزام أتمنطق به تحت الزعبوط ، فكان يحتوى على خمسين ريالا إسبانيا تدخل فيها الخمسة والعشرون التى قبضتها ثمنا لبعيرى ، يضاف إلى هذا المبلغ جنيهان بندقيان (١) دسستهما فى حجاب جلدى صغير شددته إلى مرفقى لأننى رأيت هذا خير وسيلة لإخفائهما. ولو لا أننى تعطلت طويلا فى بدء رحلتى من مصر لحملت معى من النقود أكثر من هذا ، ولكنى ـ وقد بلوت من أمر الرحلة بعد ذلك ما بلوت ـ أقول إننى فى شك كبير مما كنت أكسبه من وراء هذه الزيادة من نفع. وكنت فى بداية الأمر قد رصدت لهذه الرحلة مائتى ريال حملتهما معى من أسيوط إلى إسنا فى سبتمبر من عام ١٨١٣ ظنا منى بأنى مستطيع القيام مع القافلة دون إبطاء. ولكنى بعد ذلك وجدتنى مضطرا إلى أن أجور على هذا المبلغ ، أقتطع منه مصر وفى اليومى ، وأشترى منه بعيرى ، إلى غير ذلك من مطالب. وكنت قد أرسلت فى طلب مبلغ آخر من المال ، ولكنه لم يسعفنى بالوصول قبل قيام القافلة.
ولما كان انتظارى للقافلة قد طال ، فقد كرهت أن أفوت هذه الفرصة التى واتتنى ـ فرصة الخروج معها فى الرحلة ـ لا لشىء إلا لضيق يدى. ثم إن الأنباء التى جمعتها عن الحالة فى بلاد الزنج حملتنى على الظن بأننى قد أوفق فى رحلتى إليها ولو بهذا المبلغ الزهيد مادام مكثى بها لن يطول. زد على ذلك أننى كنت على استعداد للتعويض عن قلة المال بالتقشف وبذل الجهد ، واجتنابهما هو أعم دواعى الإسراف فى مثل هذه الأسفار. وحزمت متاعى وزادى كله فى خمس غرائر أو «جربان» من الجلد درج على استعمالها تجار الرقيق ، أما ما كنت فى حاجة دائمة إليه من الأدوات فقد أودعته حقيبة صغيرة شددتها إلى ظهر حمارى.
لم يكن الزاد الذى يحمله أغنى تجار القافلة يختلف عما أحمله ، ولم يزد بعضهم من الأطايب إلا السمك المجفف والشهد والجبن. والجبن طعام يطيب للمسافرين من غير شك ، ولكنه لا يناسب المسافرين فى الصحراء حيث يجدر بالمرء أن يجتنب من الطعام ما يثير ظمأه. وكان لدى بعض المسافرين فى القافلة نوق مرضعات كانوا يحلبون منها كل يوم مقدارا من اللبن اللذيذ.
__________________
(*) Sequina