وفى أول مارس اجتمع شمل التجار فى دراو ، وفى فجر الغد حملت البضائع المختلفة التى ستنقلها القافلة إلى ميدان مواجه للقرية يدعى برزة الجلابة.
ولما انتصف النهار سقيت الجمال (١) وأنيخ كل بعير إلى جوار حمله. وقبيل التحميل أقبلت نسوة العبابدة يحملن أوعية من الفخار ملئت جمرا فوضعنها أمام كل حمل ورششن بالملح على الجمر ، فلما تصاعدت منه اللهب الزرقاء عند احتراق الملح طلبن للرجال السلامة ودعون لهم بالتوفيق فى الحل والترحال. وهن يزعمن أنهن يطردن بذلك الشيطان وكل روح شرير.
ورافقتنا نساء القرية وأطفالها زهاء نصف الساعة بعد خروجنا من القرية. وكان أخص أصدقائى فى دراو ـ وهو رجل يدعى الحاج حسين العلوان أقمت فى بيته وأغدقت عليه الهدايا الكثيرة اعتقادا منى بأنه ينوى السفر معى بشخصه ، مما يجعله رفيقا عظيم النفع ـ كان هذا الرجل قد أعلن فى اليوم السابق لرحيلنا أنه باق بدراو. ولكن أخاه وابنه عليا انضما إلى القافلة ، وكانت جماعتهما أكبر جماعات التجار المصريين بيننا وأغناها. وتبعنا الشيخ ونساؤه مسافة بعد القرية ، وأخذ يوصى قريبيه بى خيرا ونحن نفارقه ، وكان يقول لابنه وهو يفتح صدريته ويضع يده على قلبه «إنه أخوك ، فليكن هذا مكانه منك». وهذه العادة شائعة فى صحراء العرب كذلك ، ولها هناك مغزى ودلالة ، أما بين هؤلاء المصريين فليست سوى عبارة جوفاء تلوكها ألسنتهم. ثم سرنا فى سهل رملى فى شىء كثير من الفوضى التى تنتشر عادة فى بداية الرحلات. وكان كثير من الإبل محملا أسوأ تحميل ، وألقت بعض الإبل أحمالها عنها لطول ما ألفت من البطالة ، واضطررنا أن نبيت ليلتنا فى واد معشوشب يبعد عن دراو ساعتين ونصفا إلى الجنوب الشرقى ، وهناك نعمنا بأكل ما أعدته نساء دراو من طعام شهى طيب ، وأشعل المسافرون نيرانا كبيرة وأنفقوا الليل فى الغناء والضجيج.
٣ مارس ـ غادرنا الوادى مبكرين ودخلنا وادى أم ركبة ، وهو واد عريض
__________________
(*) قبل أن يقوم التجار برحلتهم يغطون إبلهم ثلاثة أضعاف عليقها اليومى من الذرة ويحشون حلوقها أياما متوالية ، فإذا بدأت الإبل الرحلة اخذت تجتر هذا الطعام المختزن أياما.