طيب المرعى سرنا فيه أكثر من ساعتين ، ثم ارتقينا تلا قائما ، وهبطنا وصعدنا مرات قبل أن يحط رجالنا فى واد قريب من عين ماء اسمها أبو كبير ، ولم نقطع فى يومنا غير ست ساعات كان سيرنا فيها بطيئا جدا.
وفى الوادى بعض الشجر ، وقد تجد الماء فى أى أرجائه إن حفرت عليه فى الرمل. واجتذبت عين أبو كبير الشحيحة بعض البدو من العبابدة فأقاموا حولها ، وقد اشترينا منهم بعض غنمهم. وصخور الجبال التى اخترقناها اليوم كلها من الظران.
٤ مارس ـ سلكنا هذا الصباح أودية رملية زهاء أربع ساعات ، ثم بلغنا عقبة تنتهى عندها الرمال وتلال الظران. وعبرنا العقبة ـ وهى من الجرانيت والشست ـ وبعد مسيرة ست ساعات وصلنا مكانا اسمه أبو عجاج ، فيه مستودع طيب لمياه الأمطار هيأته الطبيعة بين الصخور الجرانيتية ، وكانت طريقنا تيمم جنوب الجنوب الغربى والمسافة من هذا المكان إلى أسوان ست ساعات. ويبدأ خلف مستودع المياه المذكور مباشرة درب ضيق بين الصخور لا تمر فيه الجمال المحملة إلا بشق الأنفس. وفى منعطف من منعطفات الجبل فى هذا الدرب وجدنا طلائع القافلة مشتبكة فى شجار صاخب مع جماعة قوية من البدو المسلحين ، وقبل أن أعلم تفاصيل النزاع رأيت عبابدة قافلتنا يتقلدون سلاحهم ويتقدمون لمهاجمة خصومهم. وكان هؤلاء من العبابدة كذلك ولكنهم من عشيرة أخرى ، وقد ترامى إليهم أننا رحلنا عن دراو فخرجوا من بيوتهم فى الخطارة ـ وهى قرية قريبة من أسوان ـ ليكمنوا لنا فى هذا الدرب الضيق ويتقاضوا منا ضريبة المرور. وكانت عدتهم ثلاثين رجلا ، وكذلك كان أصحابنا العبابدة ، ونضا الجميع ثيابهم لأن من أصول القتال عندهم أن يتخففوا فيه من الثياب إلا من وزرة يلفها الرجل منهم على خاصرته (١). وكان سلاحهم السيوف الطويلة ذات الحدين ، والرماح القصيرة والدرق التى استخدموها على الأخص فى اتقاء وابل الأحجار التى قذفهم بها الخصوم فى بداية المعركة. ولما رأيتهم يحملون على بعضهم البعض ثم يلتحمون بالسيوف وهم يتصايحون تصايحا منكرا
__________________
(*) يقاتل النوبيون عراة على الصورة نفسها