ظننت المهاجمين من اللصوص ، فتهيأت للانضمام إلى أصحابنا العبابدة. وما إن صوبت بندقيتى إلى شيخ المهاجمين حتى صاح بى رجل من جماعتنا يستحلفنى بالله ألا أطلق النار أملا منه فى حقن الدماء. ورحب التجار المصريون بالوقوف فى المؤخرة ليدافعوا عن أمتعتنا عملا بنصيحة الخبراء. وكان القوم يحملون سيوفهم ، ولم يكن غيرى يحمل بندقية ، وقل منهم من كان يحمل غدارة ، وكان العبابدة يتوقون إلى تسوية النزاع بحد السيف. وانقضت عشرون دقيقة وهم يقاتلون قتالا يخالطه الإحجام والتردد ، ثم أمسك الجميع بعد تدخل الشيوخ من الفريقين ، وزعم كل فريق أنه المنتصر. ولم تزد الخسائر فى المعركة على جرح ثلاثة منهم بجراح طفيفة وفلع درقة من درقاتهم نصفين. على أن أصحابنا ظفروا بما أرادوا ، فقد مررنا دون أن نؤدى ضريبة مرور. ولقد طابت نفسى بما رأيت من إمكان الاعتماد على رفاقنا العرب إذا تعرضنا لهجوم آخر فى أثناء رحلتنا. أما من كان فى القافلة من التجار المصريين فقد ظهر إحجامهم واضحا جليا برغم تشدقهم وجعجعتهم. ولبعض شيوخ العبابدة حق فى إتاوة يجبونها من القوافل ، ولكن غير هؤلاء كثيرون ينتحلون لأنفسهم هذا الحق الذى ليس لهم ، وواجب الخبراء أن يحموا القافلة من هذا الابتزاز. وليس فى استطاعة قافلة من القوافل أن تعبر الصحراء آمنة مطمئنة دون أن يرافقها بعض العبابدة ، ولا يقدم التجار المصريون على هذه المغامرة وحدهم مع أن كثيرين منهم عليمون بمسالك الصحراء.
وانسحب المهاجمون بعد أخذ وردّ مستفيضين عقب المعركة. وكنا ننوى المبيت أول الأمر فى أبو عجاج ، ولكن الخبراء استصوبوا الآن السير قدما خشية أن يرسل الخصوم ليلا فى طلب المدد من قريتهم. لذلك سرنا ثلاث ساعات أخر فوق أرض صخرية حتى وصلنا واديا عريضا يدعى وادى هود وعنده حططنا. وقد رأينا أرجالا كبيرة من الجراد بين الأحجار الجرانيتية الجرداء طوال مسيرنا بعد ظهر اليوم.
٥ مارس ـ ووادى هود واد عريض يحفل بالشجيرات والأعشاب ، وتحف به من الجانبين صخور جرانيتية بديعة شبيهة بصخور أسوان والشلال. ومضينا نضرب