فى الوادى ساعتين ، وبعد أن أكملنا مسيرة ثلاث ساعات بلغنا صخورا رملية تقطعها طبقات من المرو. ثم صعدنا سهلا هينا ، وبعد أربع ساعات جئنا واديا رمليا فسيحا سلكناه ساعات ووجهتنا جنوب الجنوب الغربى ، حتى إذا أتممنا مسيرة سبع ساعات بلغنا واديا ضيقا يدعى أم الحبال (وسمى كذلك لكثرة ما به من منعطفات) ، وهناك حططنا بعد أن سرنا فى يومنا هذا نحو سبع ساعات ونصف. ويحفل هذا الوادى بالأشجار الشوكية من فصيلة السنط ، وتنسجم أوراقها الخضراء الداكنة انسجاما رائعا مع الصخور الجرانيتية المحيطة بها ، وسطح الصخور مصقول براق ولونها أسود فاحم. وفى مواضع قليلة يتجاوز عرض الوادى ستين ياردة ، وقد يبلغ ارتفاع أعلى قمم صخوره ـ وكلها ربى قائمة ـ مائتى قدم أو ثلاثمائة فوق الأرض المستوية. واستخدمنا وقودا للنار التى أشعلناها هذا المساء الروث الجاف الذى خلفته جمال بركت من قبل فى هذا الموضع. والحق أننا قل أن حططنا مساء بموضع دون أن نجد هذا الوقود ، وذلك لأن التجار قلما يشذّون عن الدرب المطروق ، وهم لا يحطون فى موضع اعتباطا ، إنما هم مقيدون بالمواضع التى يجدون فيها مرعى من الكلأ أو الشجيرات ، أو على الأقل من السنط تقضم إبلهم أوراقه وغصونه ساعات فى المساء. ولم أجد فى مضارب هذه القافلة من النظام ما وجدت عند بعض القوافل التى تجتاز الصحراء الشرقية. كانت عدتنا تسعة وثلاثين بعيرا محملا ، وخمسة وثلاثين حمارا ، ونحو الثمانين رجلا ، وكنا مقسمين إلى اثنتى عشرة أسرة ، يؤلف كل منها جماعة منعزلة قائمة بذاتها. وكان بيننا رجلان من أسوان ، أما الباقون فمن دراو وإقليت وإسنا ، وقليل منهم من قوص وفرشوط. وأهل أسيوط قلما يتخذون هذا الطريق فى رحلاتهم. وكان شيخ العبابدة رئيسا للقافلة يرضى الجميع ، بيد أن التجار المصريين كانوا فى الغالب يحطون ويرحلون وفق هواهم وكما يطيب لهم (١) ، فكانت لا تخلو عشية من شجار حول الموضع الذى نحط فيه.
__________________
(*) يعامل العبابدة التجار المصريين بشىء من الاحترام ويكرهون أن يغضبوهم لأنهم يطمعون فى عطاياهم. ولكن العبابدة يحظون فى كل مكان بما لا يحظى به الفلاحون [أى المصريون] من ثقة ، ولا بد أن ينقاد هؤلاء لرأى العبابدة فى جميع المسائل الخطيرة.